اكرم عطا الله - النجاح الإخباري -  الوضع في غزة المكلومة لازال متوتراً وسيبقى ما حدث جرحاً غائرا لن يعالجه الزمن فقد حطم كل الأحلام التي كانت تشي بتقارب بات شبه مستحيل، وحطم معه جهد كثير لحركة حماس حاولت خلال سنوات الحكم الماضية أن تخفف من اجراءاتها بعد أحداث 2007 وفجأة كان المشهد كأنه يعيدنا لتلك الأحداث السوداء ، فجوة جديدة وكبيرة حصلت في غزة نفسها بعد أن بدت كأنها بمجموعها تواجه ما تواجهه الان ظهرت حماس أنها مستعدة لفعل كل شيء للحفاظ على حكمها حتى.

مثلها مثل أي حكم عربي استنفرت حماس بكل ما تملك من قوة للدفاع عنه عندما اعتقدت وهي التي تعيش هاجس المؤامرة حين اعتقدت أن ما يحدث تهديد لحكمها ولم تأخذ بعين الاعتبار واقع غزة وشبابها والأزمات التي تستنسخ ذاتها وبدل أن تحنو عليهم باعتبار أن واقعهم النازف هو نتاج سيطرتها على غزة فذهبت نحو وسائل العنف والقمع التي رأينا مشاهدها التي كانت تتوالى تباعاً.

المشهد في غزة كان مدعاة للحزن ولكن كانت تتم متابعته من كل جهات الكون ، فتلك حركة حماس التي يريد كل طرف منها شيء مختلف والحالة في غزة وصلت الى حدود لا يمكن التعايش معها من قبل شعب أنهكه الفقر والألم وتبدت موقف الأطراف التي كانت تتابع ما يجري بنهم شديد.

السلطة الفلسطينية وحركة فتح التي طردتها حماس من غزة بالقوة انتظرت لسنوات طويلة فشل حماس وأن تتظاهر الناس ضد الحكم القائم بل والحلم أن تسقطه فلم تضبط نفسها أمام فرحتها بما يحدث ولكن تدخلها وضع المتظاهرين في موقف حرج وضعيف أمام بطش حركة حماس وقوتها الأمنية بحيث وجدت فيه مبرراً للقمع حين ظهرت فتح وكأنها هي المحرك بالرغم من أن الأمر ليس كذلك والأمر الآخر أنه ساهم في تغذية نظرية المؤامرة لدى حماس.

وإذا كانت السلطة تحلم بإسقاط حماس وعودتها لغزة كان لإسرائيل هدف آخر هي الأخرى التي ظهرت كأنها تريد أن تستمر تلك التظاهرات فهي لا تريد اسقاط الحركة ولو أرادت لفعلتها منذ عدوان 2008 لكن وجود الحركة يسهل عملية فصل غزة وحشر حماس في الزاوية حتى لا تجد خياراً سوى الذهاب مع تل أبيب نحو اتفاق طويل الأمد وهو اتفاق ترسيم الفصل نهائياً وهو ما عملت عليه اسرائيل طوال السنوات الماضية والذي أوصل غزة الى هذا الحد.

اذن الأمر معقد حماس تريد أن تستمر بالحكم مثلها مثل أي نظام عربي فهي منتج هذه الثقافة ويضيف البعد الديني للأمر شكلاً أكثر عمقاً للحكم باعتباره ضرورة دينية فيصبح الأمر أكثر تعقيداً لكن هذا الحكم في منطقة كغزة مدعاة للصراع الدائم ليس فقط بسبب الحصار واجراءات السلطة وفيها خطأ آخر لحركة حماس فهل تعتقد أن من طردته من غزة سيستمر بمد حكمها بالحياة؟

ففي تلك سذاجة سياسية، لكن صعوبة الحكم يكمن في ندرة الانتاج وكثافة الكتلة السكانية وانعدام الموارد فماذا ستفعل الحركة هل ستستمر بقمع أي احتجاج يطالب بحياة كريمة أم أن كل ما يحدث يذهب باتجاه واحد ووحيد أرادته اسرائيل وهو الذهاب لاتفاق معها؟

إذن نحن أمام خيارات ثلاثة بعد أحداث غزة والتي لم تعد تشبه ذاتها بعدها وهي :

-استمرار الحالة كما هي ومزيد من قبضة حماس الامنية واستمرار التدهور المعيشي ومزيدا من الفقر يبقي دائرة الشكوى والاحتجاج والاعتقال والقمع أي استمرار الدوران بنفس الدائرة .

-مصالحة وانتخابات وهذا الخيار الاقل ترجيحا -الذهاب نحو اتفاق مع اسرائيل مع تزايد الضغط بسبب الخيار الاول ينتهي بترسيم المشروع الاسرائيلي بالفصل . الخيارات الثلاثة ليست سهلة على حماس وكل منها يفترض أن هناك ثمن كبير يجب عليها أن تعرف أنها ستدفعه فليس هناك حكم مجاني أمام هذا الأمر على حركة أن توقف اجراءاتها بشكل فوري وتطلق سراح المعتقلين وتعتذر عما ارتكبته خلال الأيام الماضية فكل ما يحدث بالتأكيد بتعليمات مباشرة من القيادة السياسية والعسكرية للحركة، الناس تتحدث عن مآسي وعن تعذيب في أماكن التحقيق وتهديدات مخجلة للموقوفين هذا محزن ففي اللحظة التي يعتقل فلسطيني فلسطيني آخر ويقوم بتعذيبه فتلك نهايتنا جميعاً فهل يمكن أن تعتذر حماس وتفكر بأن لا حلول الا بمصالحة أم أن ما حدث قد حطم كل الأواني وأن الزمن قد فات ..؟