عيسى قراقع - النجاح الإخباري - من يزور عائلة الأسير المريض بالسرطان ناصر أبو حميد المحكوم بالسجن المؤبد يرى شعبا يمسك بالموت والحياة ويوجه قبضته العالية الى السماء، افراد البيت إما في السجن او في الاخرة، عائلة جسدها متخم بشظايا المآسي وبطش الاحتلال، ممزقة لم تجتمع تحت سقف واحد، وفي وسط البيت تجلس خنساء فلسطين ام يوسف أبو حميد، ام تشبه الصرخة، اعتقلوا أولادها، هدموا بيتها خمس مرات في مخيم الامعري، هي الام المشردة دائما، المنكوبة منذ عام 1948 حتى الآن، عاشت مطاردة ولاجئة، من مذبحة الى مذبحة ومن سجن الى سجن، لا تتحرك ام يوسف الا لزيارة أولادها في السجون او لقراءة الفاتحة على روح ولدها الشهيد عبد المنعم في المقبرة.
خمسة أسرى وسادسهم شهيد وسابعهم حرية، لم يبق أحد في بيت أبو حميد الا واعتقل، الجنود حولوا هذا البيت الى ثكنة عسكرية، يتدربون فيه على الاقتحامات والتخريب والتفجير، لم يجدوا فيه الا ام يوسف وهي ترفع شارة النصر في وجه الجرافات وبنادق المحتلين، لم يتحطم بيت أبو حميد، ولم ينتصر المحتلون على الأرواح الثائرة، البيت خلية فدائية، بيت أبو حميد رمز الوطنية، طابو الأرض، حق العودة وتقرير المصير.
خمسة أسرى وسادسهم شهيد وسابعهم حرية، من يرفع الأجهزة الطبية عن جسد الأسير القائد ناصر أبو حميد القابع في مستشفى برزلاي الإسرائيلي في العناية المكثفة؟ من يوقف دبيب ورم السرطان في رئتيه ليتنفس؟ من يتخذ القرار ويتحدى سياسة القتل البطيء الصهيونية؟ من يعطيه رسالة من أمه وموعدا للقاء قريب في رام الله؟
خمسة أسرى وسادسهم شهيد وسابعهم في غيبوبة مرضية، نصر وناصر وشريف ومحمد وإسلام، مجزرة بشرية تمتد من بيت الى بيت والى كل البيوت الفلسطينية، الاف الاسرى والاسيرات، الصغار والكبار والمرضى والمعاقين، الأطفال والنساء، المؤبدات والقيود والإرهاب والمحاكم العسكرية الجائرة.
خمسة أسرى سادسهم شهيد وسابعهم في غيبوبة مرضية، شهداء يدفنون في صمت الجدران هناك في السجون والمعسكرات، يشهقون ويشهقون، شهداء لا يعودون الا في أكياس سوداء، شهداء تعرضوا للجرائم الطبية المنظمة المتعمدة من التعذيب والعزل والهدر الإنساني، شهداء يحلمون ويحلمون ارواحهم هي البوصلة، شهداء في المحرقة، منذورون كي نعيش ونحمل احلامهم في الحياة القادمة.
خمسة أسرى سادسهم شهيد وسابعهم في غيبوبة مرضية، ايقظوه قليلا، خذوه الى المحطة الأخيرة ، الى البيت والعائلة والأصدقاء، خذوه الى مدرسته وكوفيته ومسدسه، الى حضن امه الصابرة، الى الذكريات، لا تتركوه وحيدا، اعطوه حياته قليلا واعطوه املا او حجرا، الاسرى حراس الأرض والعقل والذاكرة.
خمسة أسرى سادسهم شهيد وسابعهم في غيبوبة مرضية، المجتمع العالمي على المحك الان، الأمم المتحدة ومؤسسات حقوق الانسان، الخطابات والمنابر والكلام كل الكلام، لا نريدهم في جنازة او في حفل عزاء، نريد من يعيد الحياة الى اسير كي يصدق ان للعدالة الإنسانية قوة تستطيع ان تنقذه من الموت ليحيا دقائق أخرى وتنتصر على إرهاب المشنقة الصهيونية.
خمسة أسرى سادسهم شهيد وسابعهم في غيبوبة، يحلق ناصر في سمائه السابعة حرا، الان يسبح بين النجوم والغيمات الرحيمة، لأول مرة يخرج ناصر من السجن واسلاكه الشائكة، ربما هو في رام الله، ربما يتفقد احبابه في شوارع مخيم الامعري، ربما هو في القدس يبصم فوق اسوارها وعلى مصاطب كنائسها ومساجدها شهقته وصلاته الأخيرة.
خمسة أسرى سادسهم شهيد وسابعهم حرية، تضيق رئة ناصر أبو حميد، الهواء يقل شيئا فشيئا، الورم الاحتلالي يتوسع ويزداد ويسحق الجسد والأرض قتلا واستيطانا وعنصرية، انفاس ناصر تحرك فينا كل الأسئلة، تحرك الضمائر والرياح والاشرعة، الانفاس المتقطعة، غاضبة ساخنة، انفاس ناصر توحدنا، تجمعنا، تلملم اسماءنا، هوية وثقافة وغضبا وامكنة.
خمسة أسرى سادسهم شهيد وسابعهم حرية، يرفع ناصر قامته امام الظلام، الظلام يضيء، يرفع قامته في وجه الحديد، الحديد يذوب، يرى البحر والفكرة والقادمون بعد قليل، نتبع صوته حتى يصهل فينا حصان جديد.
خمسة اسرى سادسهم شهيد وسابعهم حرية، اسرى لم تأتهم الى السجن سوى رائحة الموت، لا زيارة للجنة اممية ولا لجنة تقصي حقائق، لا طلة ولا حبة دواء ولا تحية، ظلوا رهائن القمع وغياب العدالة في أروقة المحاكم العسكرية، تحولوا الى ظلال بعيدة عن القرار والبصيرة.
زفير ناصر أبو حميد انتفاضة شعب اكثر من ربعه رزح بين القضبان، المعذبون في مسافات الانتظار، العالقون بين الحرب والسلام، المقاتلون الذين لا زالوا تحت القصف وفي حومة الاشتباك، لحمهم يقاتل وارادة لا تعرف المساومة.
خمسة اسرى سادسهم شهيد ورابعهم حرية، “وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا”، وجه لوجه، حجر على حجر، النار والهواء والتراب والانتماء والمواطنة، شعلة واحدة، رواية واحدة، ضربة واحدة، نخلع الجدار والمعازل، لا خيار، ليس امامنا سوى ان نقاوم او ننتظر الإبادة.