وكالات - مهند عبد الحميد - النجاح الإخباري - تشهد المنطقة خلطا مدويا للأوراق في مسعى جديد لإعادة بناء سيطرة الكبار والمحاصصة مع الوكلاء.
الخلط أخذ أشكالا عديدة كإجراء مناورات عسكرية إيرانية في البحر الأحمر وقرب مضيق هرمز، وإجراء مناورات شاركت فيها البحرين والإمارات وإسرائيل بقيادة القوات البحرية الأميركية، وشهد العراق محاولة اغتيال رئيس الوزراء الكاظمي في سياق رفض نتائج الانتخابات التي قللت من مستوى السيطرة والتحكم الإيراني في العراق.
ودخلت لبنان وحزب الله في أزمة حادة مع دول الخليج أدت إلى سحب سفرائها من لبنان، أعقب ذلك زيارة محمد بن زايد لدمشق ومقابلته بشار الأسد وسط احتجاج أميركي، كما جرى إبرام اتفاق أردني مصري لبناني يقضي بتزويد لبنان بالكهرباء والغاز عبر الأراضي السورية مقابل حصول النظام السوري على حصة، في الوقت ذاته تستمر الغارات الإسرائيلية على أهداف إيرانية داخل سورية بضوء أخضر روسي.  
وتدخل السعودية في مفاوضات مع إيران تتركز حول حرب اليمن. ومعظم التحركات السابقة لها صلة بالمفاوضات الأميركية الإيرانية في آخر تشرين الثاني الجاري لإحياء الاتفاق النووي الإيراني.
الخلط الأهم الذي لا يخلو من مغزى، حدث في لقاء الأسد حليف إيران وحزب الله والممانع لسياسات إسرائيل وأميركا، مع محمد بن زايد المتحالف مع دولة الاحتلال الذي كان لتوه قد أنهى مشاركة بلاده في مناورات عسكرية ضد الخطر الإيراني الافتراضي.
يفسر الممانعون زيارة ابن زايد إلى دمشق بأنها تعبير عن اعترافه بانتصار النظام وبهزيمة معسكره الخليجي الذي كان جزءا من التدخل في سورية.
بصرف النظر عن إعلان النصر، فلهذا الحدث أكثر من تفسير، كالتفسير الذي يقول إن ابن زايد وحلفه ذهبوا صاغرين إلى خندق الممانعة، وهذا الافتراض ينسجم مع الخطاب الممانع الذي اعتبر أن هدف التدخل في سورية هو هزيمة معسكر الممانعة والمقاومة وفرض الاستسلام على النظام. ولما كانت النتيجة هزيمة التدخل وإقرار ابن زايد بالهزيمة وانتصار النظام، فإن خط المقاومة والممانعة هو الفائز.
غير أن فوز الممانعة لا يستقيم ولا ينسجم أبدا مع التحالف الإماراتي الخليجي العربي مع دولة الاحتلال، وما يعنيه من تعاون اقتصادي وأمني وثقافي وسياسي ومناورات، في مواجهة ثاني أهم حليف للنظام وهو إيران بعد روسيا، ولا ينسجم مع توفير غطاء سياسي عربي لضم الجولان والقدس وتشريع الاستيطان والاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية.
يزعم الصحافي الإسرائيلي ليلاخ شوفال في صحيفة "إسرائيل اليوم" بعنوان الأسد يسعى للتخلص من الإيرانيين /"الأيام"، بأن هدف ابن زايد من اللقاء مع الأسد، هو محاولة إبعاده عن إيران، ويضيف الكاتب: "إيران تتموضع في سورية وتقيم بنية تحتية والأسد لم يعد قابلا للتواجد الإيراني المكثف الذي يمس السيادة السورية"، ويتحدث الكاتب عن تداخل مصالح سورية روسية بقدر ما مع مصالح إسرائيل التي شددت من وتيرة هجماتها في سورية كي تدحر الإيرانيين عن الدولة. ويلاحظ هنا أن الأسد يتجه إلى خندق ابن زايد وليس العكس بحسب التقدير الإسرائيلي الذي يتكرر مع تسفي برئيل في هآرتس/"الأيام"، الذي يرى أن إعادة سورية إلى الحضن العربي ستساعد في إبعاد سورية عن إيران وبالنسبة لإسرائيل فإن استمرار حكم الأسد والشرعية العربية التي سيحصل عليها يشكلان مصادقة لها على الصعيد التكتيكي ولروسيا على الصعيد الاستراتيجي لمواصلة سياستهما.
عندما يكون هناك أكثر من تفسير فإن العنصر الأهم هو تناقض والتقاء المصالح.
قبل الانتفاضات العربية كانت كفة التقاء المصالح راجحة بين مكونات النظام العربي الرسمي على كفة الخلافات أو تعارض المصالح.
نقطة التقاء المصالح للنظام العربي مجتمعاً، هو رفض ومعارضة التغيير في بنية الأنظمة والخروج من علاقات التبعية السياسية والاقتصادية لمصلحة الشعوب، كانت هذه نقطة التقاء مع الإدارات الأميركية ومعظم الدول الكبرى والعظمى. لم يكن أحد من هؤلاء مع الانتقال إلى نظام ديمقراطي عربي مستقل وسيد. وقد اتبع الجميع تكتيك التضحية برأس النظام في سبيل استمرار النظام أو استبداله بنظام مستبد وتابع من داخل التحالف الطبقي الحاكم. وتَدَّعَم هذا التكتيك بمليارات الدولارات التي انهالت على النظام المهدد بالسقوط.  
تكتيك التضحية برأس النظام - كبش فداء - نجح في تونس ومصر والسودان والجزائر واليمن، وفشل في ليبيا حيث انهار النظام المؤسس بشكل مطلق على فرد ولا تجوز فيه القسمة على اثنين، حيث لم يتوفر دولة ولا مؤسسة عسكرية قادرة على تسلم السلطة وفرض قبضتها.
ولم يتبع التدخل الخارجي تكتيك التضحية برأس النظام السوري في غياب بديل في ظل تركيبة النظام المؤسسة على فرد وكان سيكون مصير سورية مشابهاً لمصير ليبيا ومن قبلها العراق لذا امتنع المتدخلون وعلى رأسهم إدارة أوباما عن الأخذ بذلك التكتيك.
حقيقة الأمر أن سياسة الفوضى الخلاقة أفضت إلى فوضى غير خلاقة هددت المصالح المراد صيانتها. فتركز التدخل في سورية على إجهاض الانتفاضة السلمية واحتواء المعارضة والتنافس مع التدخلات الإيرانية والتركية، من خلال عسكرة الانتفاضة ودعم تنظيم النصرة وجيش الإسلام وفصائل أخرى، وكل ذلك مهد الطريق أمام الحسم العسكري الروسي.
كما نرى فإن التقاء المصالح كان أقوى في السابق ولا يزال أقوى راهنا من تعارض المصالح داخل المنظومة العربية، وأكبر دليل على ذلك، أن الانتقال إلى طور التحالف المباشر بين الدول العربية النافذة ودولة الاحتلال، لم يحل دون قبول النظام السوري بالعودة إلى الحاضنة العربية الرسمية. لقد تغلب التناقض الرئيس مع الشعوب العربية على التناقض الثانوي بين الأنظمة العربية مع بعضها البعض.
الصراع على النفوذ الإقليمي بين دول المنطقة بما في ذلك الصراع بين إسرائيل وإيران وبين الأخيرة والدول الخليجية، وبين أميركا والغرب وإيران، يعبر عن تناقض قابل للحل، ومن المؤشرات السابقة على ذلك اتفاق 5+1 النووي الإيراني والسعي إلى تجديده راهنا، والاتفاقات الإيرانية الإماراتية وخروج الأخيرة من حرب اليمن، والمفاوضات السعودية الإيرانية راهنا، وعودة الأسد المرتقبة للجامعة العربية، كل شيء قابل للتفاهم والحل بين الأنظمة دون أن يلغي حقيقة أن التناقض الثانوي بين أنظمة من طبيعة واحدة قد يشعل حروبا بهدف تكبير الحصص أو صيانتها.
بقي القول إن زج المقاومة في صراع الحصص والنفوذ لا يستقيم إلا إذا فقدت المقاومة مضمونها التحرري الاستقلالي، وكانت محض أداة من أدوات تكبير الحصص أو الحفاظ عليها.