نابلس - طلال عوكل - النجاح الإخباري - ثمة تحريض واسع، من قبل سياسيين حاليين، سابقين وصحافيين على حكومة الرأس الاستيطاني نفتالي بينيت، العالق وسط معادلات وتدخلات واشتراطات، تضعه في مواقع الحرج، بل والضعف أحياناً.
يلخص رئيس بلدية سديروت ألون دافيدي الأمر من موقع مهاجمة الحكومة حين يتساءل أين الردع؟ أين الأمن؟ ويطالب الحكومة بالاستفاقة من غيبوبتها.
التحريض يمتد إلى اتهام الحكومة بالخضوع لحسابات يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في غزة، تلك الحسابات التي ترغم إسرائيل على مواصلة تقديم وتوسيع التسهيلات لقطاع غزة، بالرغم من التهديدات التي تصدر عن الفصائل، ولا تستدعي من الحكومة أكثر من قصف شكلاني، استعراضي ينم عن ضعف وغياب الإرادة.
كان يوم السبت المنصرم، يوماً صاخباً، يحمل رسائل ساخنة لإسرائيل، ولدفع الوسطاء نحو مزيد من الضغط على حكومة بينيت، بعد أن انتهت المهلة التي أعطتها الفصائل من أجل تحريك الأوضاع الخاصة بملفات غزة، لكن هذه الفصائل عادت واستجابت للتدخل المصري النشط وأعلنت أن المهرجان سيكون بعيداً عن السياج الفاصل، المهرجان الذي أقيم في محور ملكة على الحدود الشرقية لمدينة غزة، لمناسبة الذكرى الثانية والخمسين لحرق المسجد الأقصى، أرادت منه الفصائل إرسال جملة من الرسائل.
أولى هذه الرسائل كما ورد في خطابات وتصريحات العديد من قادة الفصائل، أن زمن الاستفراد بالقدس وكل منطقة وحدها قد ولّى، وأن الوطن واحد والشعب واحد، وأن غزة ستكون حاضرة للاشتباك في كل مواجهة للمخططات الإسرائيلية على أي أرض فلسطينية وكل الأرض فلسطينية.
ثاني هذه الرسائل أن الفصائل تملك من الوسائل للاشتباك مع الاحتلال، دون استخدام الصواريخ والأسلحة النارية وبما يكبد الاحتلال ومستوطناته تكاليف باهظة، ويضع حكومته أمام خيارات صعبة.
الفصائل بصدد إعادة تنشيط المقاومة الشعبية السلمية على الخط الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل، ولعل ما وقع يوم إقامة المهرجان شاهد على مدى تأثير هذه المقاومة.
اثنتان وأربعون إصابة وقعت بين الشبان الفلسطينيين الغاضبين الذين اقتربوا من الخط الفاصل، دون موافقة أو ترتيب من قبل الفصائل، ما يعني أن إسرائيل لا تحتمل أي شكل من أشكال المقاومة سلمية كانت أو مسلحة.
ثالث هذه الرسائل، موجهة للأشقاء المصريين الذين يتابعون عن كثب، وبجدية كل الملفات التي تتعلق بغزة، لممارسة المزيد من الضغط على إسرائيل لوقف سياسة الابتزاز والتنقيط وتعطيل الملفات.
بعد المهرجان، وإصابة جندي حرس الحدود الإسرائيلي والقصف الذي تعرضت له أربعة مواقع في غزة، كان التساؤل الذي يجري على الألسنة في غزة وإسرائيل، حول إذا ما كان ذلك سيؤدي إلى انفجار الوضع مرة أخرى.
وبصراحة، بالرغم من إدراك الفصائل في غزة، لغياب دوافع ومبررات ارتكاب إسرائيل عدوانا واسعا، إلا أنها في الوقت ذاته تبدي استعداداً لمواجهة جديدة، حتى لا تخضع لحسابات الطرف الإسرائيلي، الذي يقايض الخبز بالهدوء التام.
هي مغامرة وهذا صحيح، ولكن ليس ثمة أي خيارات أخرى، بعد المراهنة على دور الوسطاء الذين نجحوا في تحقيق بعض التسهيلات ولكن ليس بالقدر الكافي.
تدرك الفصائل أن يد نفتالي بينيت وحكومته مغلولة، ولا خيار أمامها سوى الاستجابة لمعالجة بعض الملفات، حتى لا تخسر علاقتها بالقاهرة وواشنطن.
في هذه المرحلة مصر تلعب دورا مهما جدا وفاعلا ومؤثرا في الضغط على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. حماس والفصائل لا يمكنها المغامرة بإغضاب القاهرة، وتعطيل دورها ليس فقط بسبب موقع ودور مصر الحيوي، وإنما لأن الخيارات حينها ستكون صفراً، إسرائيل هي الأخرى لا تستطيع التضحية بالدور المصري لا لأنها فقط ستكون في مواجهة مباشرة مع الفصائل في غزة وإنما لأن بينيت لا يستطيع التضحية بقيمة الدعوة التي وجهها له الرئيس عبد الفتاح السيسي لزيارة مصر.
يرى بينيت في هذه الزيارة مكسباً، فشل في تحقيقه بنيامين نتنياهو الذي حاول ولم ينجح، في أن يحل ضيفاً على القاهرة.
في الخلاصة، فإننا لا نعتقد أن الحسابات رغم تضاربها يمكن أن تقود إلى احتمال قيام إسرائيل بعدوان آخر قريب على قطاع غزة، ما يرتب عليها أن تحسب خطواتها ليس فقط تجاه القطاع وإنما أيضاً تجاه القدس، والضفة الغربية عموماً.
هذه المعادلات تبدو مثمرة بالنسبة للفصائل، فعدا موافقة إسرائيل على الاتفاق بشأن المنحة القطرية، فإنها بعد أن فرغت لساعات من قصفها الاستعراضي لغزة، سمحت بإدخال مليون ليتر من السولار المخصص لمحطة توليد الكهرباء، فيما استمرت في تقديم التسهيلات التي أقدمت عليها.
غير أن هذا الوضع قابل للتغير بعد قيام بينيت بزياراته لواشنطن والقاهرة، وفي حال لم تنجح هذه الزيارات في معالجة الملفات الرئيسة التي يعاني منها قطاع غزة.