نابلس - عقل أبو قرع - النجاح الإخباري - طالعت في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية قبل أيام، تقريرا عن الكارثة التي أحدثتها وما زالت تحدثها الفيضانات التي اجتاحت دولاً أوروبية مثل ألمانيا وبلجيكيا قبل أيام، وما خلفته من المئات من القتلى والمفقودين، ومن الدمار الهائل الذي أحدثته الأمطار الغزيرة، والتي وحسب الصحيفة لم تحدث في أوروبا منذ حوالى ألف عام.
وحسب العلماء في التقرير، فإن ما حدث يعتبر من الظواهر العنيفة للتغيرات المناخية التي حدثت وما زالت تحدث في العالم خلال عشرات السنوات الماضية، وهي تدق ناقوس خطر حقيقي لما يمكن أن يحدث في العالم خلال السنوات القليلة القادمة، من أمطار غزيرة وفيضانات وارتفاع الحراره وأعاصير وحرائق وجفاف وتصحر وقلة المياه وذوبان الجليد وارتفاع مستوى المحيطات وغير ذلك، ولن تكون أي دولة في العالم بمنأى عن هذه الأخطار.
ورغم أن من يساهم في بث غازات التلوث إلى الجو هي الدول الصناعية الكبرى، مثل الولايات المتحده والصين والهند وكندا وغيرها، وبالتالي المساهمة في رفع درجة حرارة الأرض وما يترتب على ذلك من تداعيات كما شاهدنا قبل أيام في ألمانيا وبلجكيا، إلا أن من يتأثر بذلك هي دول العالم قاطبة أو جميع مناطق العالم، حيث لا يفرق التغير المناخي بين هذه الدولة أو تلك.
فدولة مثل ألمانيا تعتبر من الرواد في المحافظة على البيئة وفي الوعي البيئي وفي الممارسات البيئية المتمرسة منذ عشرات السنوات، التي لا تساهم بإحداث التلوث بأنواعه، وهي من الداعين الى وقف أو إلى تخفيض بث غازات التلوث إلى الجو وبالتالي إحداث التغيرات المناخية وما يترتب عليها من كوراث.
وقد عاصرت شخصياً هذه الممارسات خلال مكوثي في ألمانيا في أواخر تسعينيات القرن الماضي، سواء من حيث التخلص النظيف من النفايات بأنواعها، أو من خلال فصل النفايات وإعادة التدوير أو من خلال الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة من رياح وشمس وغاز وما إلى ذلك، ورغم ذلك شاهدنا ما حدث هناك من كارثة الفيضانات وتبعاتها، بفعل التغيرات المناخية التي أحدثها غيرها في العالم.
وتأتي فيضانات أوروبا هذه الأيام، في ظل ما يشهده العالم من ظواهر متطرفة أو على الأقل ظواهر غير اعتيادية في حدتها وتوقيتها وصعوبة التعامل معها، وربما نكون قد شهدنا مثل ظواهر كهذه في الماضي، ولكن ليست بنفس الشدة والتكرار والأهم محاولة العلماء والباحئين والمختصين ربطها مع ظواهر مناخية بيئية ساهم الإنسان بشكل مباشر وغير مباشر في الوصول إليها، والتي ترتبط بشكل مباشر بالتلوث وبالأخص تلوث الهواء في الجو بما تبثه نشاطات الإنسان، مسبباً تراكماً لمواد كيميائية لم نشهدها من قبل خلال مئات أو الآلاف من السنين.
ويستشف من خلال نتائج قمم المناخ العالمية التي انعقدت خلال السنوات الماضية، الصورة القاتمة التي وصلت إليها الأرض وما تحويه من نظام بيئي، بسبب تعمق وتفاقم وتواصل النشاطات البشريه التي ما زالت تساهم في التلوث بأنواعه، وبالأخص تلوث الهواء، ومن ثم الاحتباس الحراري وتشكل ما بات يعرف بغازات الدفيئة.
وانعكاسات ذلك من خلال ارتفاع درجة حرارة الأرض الكبير والمستدام خلال السنوات الماضية، وتضاؤل كمية الأمطار، وتشكل الأمطار الحامضية، والتصحر أي عدم القدرة على الزراعة أو الجفاف وتهديد التنوع الحيوي، وتفشي الآفات المختلفة ومنها الجديدة وبالتالي انتشار الأمراض المعدية، وتداعي الأمن الغذائي، وتلوث المياه، وذوبان الجليد والفيضانات وما يمكن أن يجر ذلك من تداعيات وكوارث لم يعتدها نظامنا البيئي من قبل، وما حدث في دول أوروبية من كوارث الفيضانات خلال الأيام القليلة الماضية، هو دق لناقوس الخطر الحقيقي، بما سوف يفرزه التغير المناخي على العالم بأكمله.