نابلس - عقل أبو قرع - النجاح الإخباري - هناك الكثير من الدول الكبيرة والصغيرة، التي تقدمت وفي مختلف المجالات والقطاعات، سواء في التعلم والأبحاث والابتكارات، أو في الاقتصاد والإنتاج بمجالاته، أو في القطاع الصحي بكافة جوانبه، من الوقاية والرعاية، وهذا ما تثبته الأحداث الحالية المتواصلة من انتشار فيروس كورونا، وذلك نتيجة الاستثمار في قطاعات هامة ومنح الأولوية لها في الموازنة، عاماً بعد عام.
حيث تم الاستثمار وإعطاء الأولوية في قطاعات مثل التعليم أو التعلم والابحاث العلمية والصحة بكافة مستوياتها، ومنها الرعاية الاولية والمستشفيات العامة والمتخصصة وتوفر الأسرّة وغرف العناية والأبحاث الصحية، وكذلك القطاعات الإنتاجية التي تتصف بالاستدامة، مثل الزراعة والصناعة والسياحة والطاقة والمياه والبيئة وما الى ذلك، ومن هذه الدول ونتيجة للأولويات في الموازنة وعلى مدار سنوات، أصبحت من ضمن قائمة الدول العشرين الاقوى اقتصادياً أو في كمية الناتج القومي السنوي، بل تنافس وبقوه لكي تكون من ضمن نادي الدول أو المجتمعات العشرة الاقوى في العالم.
وفي بلادنا، ومع بدء مجلس الوزراء مناقشة الموازنة الجديدة، وبدون معرفة تفاصيل البنود أو الأولويات التي تتم مناقشتها أو التركيز عليها، إلا أننا من المفترض أن نبدأ في التفكير أو التخطيط بعيد المدى فيما يتعلق باستغلال الاموال المتوفرة أو التي سوف تتوفر بين أيادينا خلال هذا العام، أي عام 2021، وبأن يتم تغيير جذري في سلم الأولويات، بحيث يتم الاستثمار في أو التركيز على نتائج مستدامة بعيدة المدى لها أبعاد استراتيجية وعوائد على حياة الناس.
 نعرف أننا نعيش في أوضاع خاصة، سواء من حيث الظروف السياسية والاقتصادية المحيطة بنا، أو من حيث محدودية الايرادات ومصادرها وقيودها، وبالتالي من حيث النفقات والمصروفات، ونعرف كذلك أن الاعتماد على تلقي المساعدات من الخارج، سواء أكانت مساعدات عربية أو دولية، له شروط كثيرة، ويرتبط بعوامل متعددة، وكان هذا الاعتماد مخيبا لنا خلال السنوات الماضية.
 وبالتالي نتوقع أن يكون هناك عجز في الموازنة وقد يصل أو يتجاوز المليار دولار أميركي حسب تصريحات رئيس الوزراء خلال الايام القليلة الماضية، ولكننا وفي اطار المتاح نستطيع التدوير والتركيز وترشيد النفقات ودمج المؤسسات وإعطاء الأولوية لقطاعات لها علاقة بالعائد الاستراتيجي والكفاءات البشرية والانتاج المستدام، مثل قطاعات التعليم والصحة والابحاث والزراعة والإبداع والريادة والتكنولوجيا وما الى ذلك.
ورغم التصريحات والبيانات بين الفينة والاخرى، التي تشير وبوضوح الى حتمية البدء في إجراءات جذرية، من اجل الإصلاح المالي، او للتغلب على الفجوة او العجز المالي، ورغم ان هذه التصريحات يتم تكرارها، الا ان تطبيق ما تم الحديث عنه خلال السنوات الماضية لم يتم، وبالأخص التركيز على موازنة القطاعات التي تؤثر وبشكل مباشر وربما يومي على حياة الناس وشؤونهم وأطفالهم ومستقبل هذا البلد بشكل عام.
حيث من الواضح ورغم عدم معرفتنا بالتفاصيل، ودعنا نكون مخطئين،  ان التأثير على حياة الناس لن يتغير، اي لن يكون هناك تغيير جذري في أولويات بنود الميزانية، اي مثلاً لن يكون تغيير جذري على ميزانية الصحة او التعليم مثلاً، او على البطالة والتشغيل، حيث ان نسبة الوظائف ستبقى صفراً، اي ان عدد الوظائف الجديدة سيساوي عدد من يترك الخدمة تقريباً، ومن الواضح كذلك، ان الحلول التي تطرح لمواجهة العجز المالي هي حلول قصيرة المدى او حلول مؤقتة.
 وإن الميزانية هي بالاحرى جزء يرتبط بالسياسات السياسية والاقتصادية العامة للسلطة الفلسطينية، ولا يمكن ان تعكس وبحد ذاتها سياسة مالية محددة ذات اطار تنموي مستقل بعيد المدى، وان الخيارات المالية فيما يتعلق بالميزانية هي خيارات محدودة كما هي الخيارات السياسية والاقتصادية للسلطة، وتمثل قيوداً على رسم سياسة مالية وبالتالي طرح موازنة تتسم بهذه السياسة، او تسمح باعادة هيكلة الموازنة في خارج القيود التي تقيد السلطة.  
ومن ضمن الامور التي أثقلت وسوف تبقى تثقل الموازنة، هو بند النفقات الجارية، وان البند الاساسي في هذه النفقات هو بند الرواتب، وبالتالي فإنه حين تضعف السيولة المالية او بالأحرى لا تصل الإيرادات المتوقعة وبالأخص من خلال عائدات المقاصة، فإن بند الرواتب هو الأكثر تأثراً كما لمسنا في الفترات السابقة، واذا كان واضحاً ان بند الرواتب هو الاضخم في الميزانية، فلم يكن واضحاً كيف يمكن التقليل من هذا العبء ولو بشكل تدريجي، وفي نفس الوقت التعامل مع مواضيع البطالة والفقر والاستثمار والقطاع الخاص الذي مازال يعول عليه الكثير في امتصاص المزيد من الايادي العاملة ومن ضمنها العاملون من القطاع العام.
وبما ان العجز المالي او الديون سواء خارجية أو داخلية للبنوك هو ما يرهق الموازنة، فان اعتماد مدى هذا العجز على تلقي المساعدات الخارجية، وبغض النظر عن نوعها هو من القيود التي من الصعب التنبؤ بها، واذا كان من البديهي اعتبار أن هذه المساعدات هي اموال سياسية، اي ان هناك مصالح واهدافاً من ورائها، فان قدرة الحكومة على التعاطي او التعامل مع هذه المعطيات هو من المقيدات الأخرى لنقاش وإقرار الموازنة.
ومن الامور التي ما زالت جامدة، ولا يتم تناولها بشكل جذري، هو تشجيع الاستثمار وتحفيز القطاع الخاص وتوفير حلول للعديد من القضايا المتراكمة، ومنها الأزمات المالية التي تعصف بالقطاع الصحي وبالتعليم العالي، وتطوير القطاعات الإنتاجية والتصدير وما الى ذلك، حيث تعطي ميزانيات الدول الأخرى هذه البنود الأولوية، ومثال ذلك الميزانية في دولة مثل تركيا، حيث البنود الأولى في الميزانية من حيث الأولوية والاهتمام، وبالتالي الأموال المخصصة لذلك هي بنود التعليم والصحة والزراعة وما الى ذلك، وهذا يمكن ان يفسر كيف ان دولة مثل تركيا أصبحت تتمتع بالاكتفاء الزراعي وتصدر الفائض الغذائي او الزراعي الى الخارج وتتبوأ مركزاً متقدماً في الأبحاث وإنتاجها وفي مختلف المجالات.
ورغم السلبيات والمآخذ والتحفظات والانتقادات والاقتراحات، على موازنات السنوات السابقة، دعونا نأمل بأن يكون هناك فهم للإطار الذي تدور فيه الموازنة الحالية وفي المستقبل، اي فهم لإطار السلطة او للوضع الفلسطيني العام، من قيود سياسية واقتصادية واجتماعية ومن قضايا المعابر والحدود والانقسام والمصالحة، ومن قضايا الوضع العربي والدولي، وبالتالي محاولة الانطلاق الى خارج هذا الاطار نحو توفير حلول لقضايا الشباب والخريجين والبطالة، وبشكل استراتيجي بعيد المدى، من حيث إعطاء الأولويات ولو بشكل تدريجي لقطاعات التي تحدثنا عنها، وكذلك القطاعات الإنتاجية التي تتصف بالاستدامة، مثل الزراعة والصناعة والسياحة والطاقة والمياه والبيئة وغيرهما.