سامي أبو سالم - النجاح الإخباري - لم يخطئ أفراد رهط اماراتي في وصف أكثر ما لفت انتباههم خلال زيارتهم لدولة الاحتلال عموما ولمدينة تل أبيب على وجه الخصوص. لفت انتباههم "الناس الحلوة" و"التنوع الثقافي" في تل أبيب، فوصْفهم لم يكن وفق ما سمعوا أو قرأوا، بل جاء نتيجة زيارة أو زيارات متكررة وقفوا فيها شهود عيان على ما رأوا.

فوصفهم شديد الدقة، فتل أبيب نموذج فعلي للتنوع، فهي تضم الأثيوبي والبولندي والفرنسي والروسي والمغربي وآخرين من مختلف أصقاع الأرض جاؤوا من هناك ليعيشوا هنا على أرض ليست أرضهم وفي بيوت ليست بيوتهم فقط لأنهم أصحاب ديانة واحدة، ومسموح لهم التعايش في هذا التنوع أما الفلسطيني صاحب الأرض فمحروم منها، هل هناك تنوع أجمل من ذلك؟

لو توجه أفراد الوفد جنوبا قليلا وسط يافا لوجدوا ميدان الساعة، لو حفر أحدهم تحت قدميه لوجد رفات زهاء 100 شهيد من "الناس الحلوة"؛ فلسطينيين ومصريين وسعوديين وأردنيين وعراقيين وغيرهم، راحوا ضحية أعمال ارهابية، فهناك فجرت العصابات الصهيونية سيارة راح ضحيتها العشرات، أليس هذا بتنوع؟

زار الرهط شواطئ يافا، لو غطس أحدهم في بحرها لوجد جثتين واحدة لطفل فلسطيني بلعه البحر عندما سقط من قارب هرب فيه مع عائلته تحت القصف الاسرئيلي عام 48، بجانبه جثة أمه التي حاولت انقاذه، أليس هذا بتنوّع؟

زار حملة الجنسية الاماراتية مدينة القدس المحتلة، في الطريق مروا عن قرية دير ياسين، بالطبع لم يسمعوا بها، وتنزهوا في شوارع القدس العتيقة، وقفوا مكان "حي المغاربة" الذي تبخر، وفي نفس الوقت، على بعد عشرات الأمتار، كانت جرافات الاحتلال تجرف مقبرة الشهداء، سحقت قبور "الناس الحلوة"؛ من الفلسطينيين والعرب الذين جاؤوا للدفاع عنها.

نموذج التنوع والتسامح الأكبر في دولة الاحتلال هو متحف "التسامح" الإسرائيلي في القدس، هناك مسحت جرافات الاحتلال أجزاء واسعة من مقبرة "مأمن الله"، التي أمر عمر بن الخطاب ببنائها، وأنشئ المتحف فوق عظام أجدادنا، أنصح أفراد الرهط بزيارته، فهو نموذج للتنوع أيضا.

أنصح الوفد الضيف بدخول بيوت السكان الأصليين في القدس، سيكتشف كيف يهرّب "المهربون" الفلسطينيون حفنات من الأسمنت لترميم بيوتهم العتيقة سرا، لأن الفلسطيني ممنوع عليه إجراء أي بناء أو ترميم فيما مسموح للغرباء والمتصهينين أمثالكم بالبناء والتعمير. وربما تجد شرطيا اسرائيليا يتفحص فواتير البقالة ولفافات ورق التواليت وعلب الشامبو التي تم استهلاكها هذا الشهر ليتأكد أن المسجلين في هذا البيت ينامون فيه وإلا سيفقدون هويتهم!

ومن أجمل مظاهر التنوع في "إسرائيل" هو تنوع "الزوار"، فالوفد الاماراتي وصل جوا، وبامكانه الوصول برا أو بحرا، بعد قطع مسافة 2138 كم، ، فيما لا يستطيع ملايين الفلسطينيين في أرجاء العالم والضفة الغربية وغزة من زيارة القدس للصلاة أو لغير ذلك، وهم لا يبعدون عنها سوى 25 سم (سُمك جدار الفصل العنصري)، ما أجمل التنوع!

ولو توجه الزائرون، غير المرغوب فيهم، شمالا قليلا سيجدون تنوعا من نوع آخر، مقبرة أرقام، ما يزيد عن 250 قبرا، كل قبر برقم بدل الاسم، يرقد فيها شهداء متنوعي الثقافة، فلسطينيين وعرب ومن أعمار مختلفة.  ليس ببعيد عنها ثلاجة أيضا  لما يزيد عن 50 شهيدا من "الناس الحلوة" ترفض سلطات الاحتلال تسليمهم لأمهاتهم اللوات يخشين عليهم من "البرد". وهنا أيضا تنوع جديد؛ فاحتجاز جثامين الشهداء يأتي وفق قرار محكمة "عليا" العام الماضي، رغم ان هناك جثامين محتجزة منذ عشرات السنين، أي أن هناك تنوع، احتجاز "قانوني" وغير قانوني.

ولو توجه من يحملون الجنسية الاماراتية جنوبا إلى صحراء النقب وزاروا مضارب العشائر الفلسطينية هناك سيجدوا قرية "العراقيب" التي لم يهدمها الاحتلال سوى 175 مرة وكل مرة يعيد أهلها "الناس الحلوة" بناءها، وهناك ألق التحية على الشيخ صياح الطوري إن لم يكن حبيسا لأنه يتصدى لعمليات الهدم.

ألا يعلم أعضاء الوفد أن الاسرائيليين يرضعون ثقافة يرون فيها العربي جاهل كذاب ومجرم، وإذا أراد أن يقول إسرائيلي لرفيقه لا تكن غبيا فيقول "لا تكن عربيا". وكما قال البروفيسور أدير كوهين في كتابه "وجه قبيح في المرآة" إن صورة العربي ليس إلا راعي للأغنام وله وجه مخيف وقذر وله ندوب في وجهه...إلخ.  

ولو فتح أفراد الوفد الذي يحمل الصفة العربية بضعة صفحات من مناهجهم الدراسية سيكتشفوا أنه مهما تذلّلوا وترخصنوا، فلن يعلو شأنهم في نظر الاحتلال أكبر من درجة "الغوييم" [الأغيار]، وسيبقى منحطين ووحوش ولن تتبدل هذه الصورة في أعين الاحتلال.

لكن يبدو أن أعضاء الوفد رضعوا حليب الجهل والوقاحة من "التماسيح"، فتمسحت جلودهم وتمتعوا بحصانة ضد الشهامة والنخوة، وخرجوا عن اجماع الشعب الاماراتي الأصيل، وقبلوا أن يكونوا عبيدا في خدمة الاعلام الاسرائيلي.

نصيحتنا للطوارئ أن يتمهلوا ولا "يدلقوا" أنفسهم كثيرا، لأن الوضاعة لن ترفع من شأنهم أمام دولة الاحتلال، وستبقى جهودهم وأسيادهم ومشغّليهم كلها لا تعدو عن كونها سراب، ولن يتخطى تقييمهم في نظر إسرائيل سوى "مخلوقات عديمة القيمة، وحوش ومنحطين" وفقا لكوهين! فاذا كان الاماراتيون الأقحاح، ذوو الشهامة والرجولة ينظرون إليهم كنتوء غريب عنهم يخدم لصوص الحياة والأرض، فكيف سينظر لهم اللصوص أنفسهم؟