نابلس - مهند عبد الحميد - النجاح الإخباري - الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي هو جزء من تحولات النظام العربي، وقد جاء تتويجاً لتحولات رجعية مريبة، ولعلاقات عربية إسرائيلية شبه علنية شبه سرية، بدأت منذ عقدين ويزيد. في وقت مبكر اعترف يوسي بيلين مهندس اتفاق أوسلو بوجود علاقات تعاون متنوع مع 12 نظاما عربيا، تطبيع بررته الدول العربية بالشروع في إيجاد حل للقضية الفلسطينية. وكان ذلك من أسوأ نتائج الاتفاق. واقع الحال ارتبط التطبيع مع دولة الاحتلال بعلاقات تبعية جديدة دشنها اتفاق كامب ديفيد عام 1979. التعاون الرسمي العربي مع إسرائيل ترافق مع الابتعاد والانفضاض عن القضية الفلسطينية، هذا ما أكده امؤخراً لاتفاق الإماراتي الإسرائيلي الذي وضع الشعب الفلسطيني أمام تحديات كبيرة.
لم يكن بمقدور دولة الإمارات الانفراد بالتحالف مع إسرائيل وهي صيغة أقوى من اتفاق سلام، وأهم من معاهدة صلح، بمعزل عن موافقة القوى الفاعلة في النظام العربي، وتحديداً المملكة العربية السعودية، ومصر، تستطيعان مجتمعتين ومنفردتين قطع الطريق على هذا الاتفاق ومنعه. الرئيس السيسي كان أول المباركين بالاتفاق، والمملكة لم تؤيد ولم ترفض رسمياً لكنها سمحت لوسائل إعلامها بالموافقة الملتبسة، إضافة لمجموعة أخرى من الدول التي باركت الاتفاق، وتنوي إبرام اتفاقات شبيهة مع دولة الاحتلال، وهي البحرين وعمان والسودان والمغرب.
الإمارات دولة ذات سيادة ومن حقها اتخاذ المواقف التي تعبر عن مصالحها، هذا قول صحيح وليس من حق أحد إملاء المواقف على هذا البلد. لكن دولة الإمارات جزء من المنظومة العربية (جامعة الدول العربية) التي لها ميثاق ولها سياسات مشتركة (مبادرة السلام العربية) ولها قرارات واضحة ضد ضم القدس وضد الاستيطان وضد الانتهاكات الاسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، واقع الحال أن دولة الإمارات تجاهلت ميثاق الجامعة وسياساتها وقراراتها عندما أبرمت اتفاقها مع إسرائيل. وبهذا المعنى مارست سيادتها على حساب وفي مواجهة سيادة الآخرين الملتزمين بهذا الاطار المشترك. حل هذا التناقض يكون بتراجع الإمارات عن اتفاقها، او انسحابها من جامعة الدول العربية، او معاقبتها بتجميد عضويتها، كما حدث مع مصر عقب توقيعها اتفاق كامب ديفيد عام 79، او تغيير ميثاق الجامعة واعتماد سياسات وقرارات تؤيد إسرائيل وتعاقب فلسطين!
والإمارات دولة ذات سيادة لكنها عضو في الامم المتحدة التي لها ميثاق وسياسات وقرارات ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته الفادحة، واتفاقها مع إسرائيل يتناقض مع السياسة الرسمية للأمم المتحدة، ما يجعل ممارسة الإمارات لسيادتها يتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها. اذاً، السيادة الخاصة بكل دولة لا تنفصل عن مصالح الآخرين المشار إليها في المواثيق.
قد يبدو هذا التحليل عبثياً وغير واقعي في عالم فوضى المعايير الذي قاد فيه ترامب تمرداً على الأمم المتحدة وميثاقها وقراراتها ومؤسساتها واتفاقاتها بما في ذلك اتفاقية المناخ. ترامب والترامبية ورأس حربتها في المنطقة نتنياهو أهالوا التراب على ما يسمى الشرعية، وحقوق الشعوب، مستبدلين القانون الدولي بايديولوجية دينية متزمتة وبمصالح عتاة أصحاب المال ورجال الأعمال وأصحاب الاحتكارات الجشعين. السؤال، لماذا يصطف قادة عرب مع ترامب والترامبية ونتنياهو وكل عناصر التوحش السياسي والاقتصادي والأمني المعولم. وبخاصة انه يجري الاصطفاف في الوقت الذي يرتكب هؤلاء جرائم بحق الإنسانية وينشرون الفوضى، وفي الوقت الذي بدأت شعوبهم تضيق ذرعاً بهم، تشير التقديرات بأن فرص ترامب في الفوز بولاية أخرى قليلة، وفرص نتنياهو في الإفلات من الإدانة بأربع قضايا فساد قليلة، وفرص بولسونارو رئيس البرازيل شبيهة بفرص نظرائه. يجمع كثيرون بأن توقيت الاتفاق الاماراتي جاء لإنقاذ او لإعطاء دعم لترامب على أبواب الانتخابات. كذلك الامر بالنسبة لنتنياهو الذي تحاصره الاحتجاجات الدورية في القدس وتل ابيب ومدن أخرى. وكانت محفظة المليارات العربية مضافاً لها صفقات للسلاح بعشرات المليارات من الدولارات، هي التي أعطت مصداقية لبرنامج ترامب بعد فوزه. هل هذا النوع من الاصطفاف مع التوحش يعطي أهمية وشأناً للزعماء العربظ هل يحافظ على انظمتهم من تهديدات داخلية وخارجية؟ هل الطموح الى الصعود والتحول الى العالمية او حل المشكلات (السودان) يستدعي الاصطفاف مع ترامب ونتنياهو بوجود بدائل لا تقل اهمية كالصين والمانيا وفرنسا وروسيا وغيرها من الدول؟.
وما هو الثمن الذي تدفعه الامارات لقاء انحيازها لترامب ونتنياهو؟ ما هو ثمن السكوت على سياسة (ضم القدس والجولان وشطب قضية اللاجئين، وتثبيت الاستيطان وفرض السيادة الإسرائيلية على كامل فلسطين التاريخية، ويهودية الدولة، وحصار قطاع غزة، وقرصنة أموال المقاصة، والتنكر للأسرى وتقرير مصير الشعب الفلسطيني من وجهة نظر أيديولوجيا دينية متزمتة، ومن طرف واحد) وما تعنيه هذه السياسة من تصفية للقضية الفلسطينية، كقضية يُجمع العالم على عدالتها. ماذا يمكن تسمية تعزيز العلاقة مع نتنياهو وترامب وكوشنير والسفير فريدمان والوزيرة ميري ريغيف الذين ينتهكون حقوق الشعب الفلسطيني بالطول والعرض شر انتهاك؟ حق سيادي نعم، ولكن مثل هذا الاصطفاف يشجع هؤلاء على التمادي بسياسة تصفية القضية الفلسطينية، ويلحق افدح الاضرار بقضية شعب يناضل من أجل تحرره. ولا يغير من هذا الواقع العلقم وجود بند في الاتفاق ينص على تعليق الضم، او إرجاء الضم الذي اكد نتنياهو الالتزام به بعد الاشهار عن الاتفاق. حتى لو افترضنا ان الامارات نجحت في تأجيل الضم، فهذا لا يعني تغييرا جوهريا في سياسة الاحتلال مع استمرار ضم القدس الموحدة واعتبارها عاصمة لاسرائيل، مع شرعنة المستوطنات وشطب قضية اللاجئين وفرض السيادة الاسرائيلية على الضفة وسيادة على القطاع عن بعد. الامارات ليست مضطرة ولا بأي حال من الأحوال لإضفاء الشرعية على جرائم الحرب (الاستيطان جريمة حرب، وضم القدس جريمة حرب وجدار الفصل العنصري جريمة حرب، وقتل الأبرياء جريمة حرب وغير ذلك من جرائم). لا حاجة لترسيم الضم المرفوض دوليا كما يقول جنرالات الاحتلال، ويطالبون بتكريس الضم دون إعلان، لذا فان التعليق ليس مكسباً ابداً، المكسب هو إلغاء الضم وتحديداً ضم القدس والتراجع عن الاستيطان، واحترام حق اللاجئين في الحل الذي قدمته لهم الامم المتحدة. لم تقترب الإمارات من جوهر الصراع من وجهة النظر الفلسطينية المصادق عليها بمئات القرارات الدولية والعربية. بالعكس وفرت الغطاء للسياسة العدمية الإسرائيلية المصادق عليها من قبل إدارة ترامب الرعناء.
بقي القول إن ما أقدمت عليه الإمارات يشكل نقطة تحول درامية خطيرة على صعيد المنطقة، ستعيد الاستقطاب عربيا ودوليا، ليس بالمؤكد لمصلحة الترامبية التي تضم الإمارات وأنظمة عربية أخرى. إن اللحظة المريضة التي يعيشها العالم العربي لن تبقى الى الأبد، قد يسقط ترامب ونتنياهو وأمثالهم، قد يتغير نظام التوحش المعولم، قد يعود الربيع العربي الذي غدر به النظام العربي مجتمعاً ومتفرقاً. ولكن  في حساب الشعوب وعلى مر التاريخ لا غطرسة القوة ولا غطرسة المال يصنعان مجداً وأهمية.

نقلا عن صحيفة الايام.