النجاح الإخباري - جولة أخرى قصيرة من الاشتباك المحسوب والمحدود، تقع بعد رد فعل فلسطيني واجب على جريمة اغتال والتنكيل بجثة مناضل فلسطيني على الحدود الشرقية لمنطقة خانيونس. الجريمة التي أحدثت استغراباً وحتى استنكاراً من قبل بعض الإسرائيليين، ما كانت لتمر بدون رد سريع بادرت إليه سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.

 يعتقد نتنياهو أنه يستطيع المراهنة على استجابة قطر، باستئناف نقل الأموال إلى غزة، حتى لا يفكر أي طرف فلسطيني بالرد على مثل هذه الجريمة. قطر كانت قد استضافت في الأسبوع الأول من فبراير، رئيس جهاز الموساد وقائد المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي، وهي زيارة لا تتصل بالتطبيع هذه المرة، بعد أن قطعت شوطاً في هذا الاتجاه، وإنما جاءت بتوجيهات من نتنياهو، لمطالبة قطر بمواصلة تقديم الأموال التي اعتادت تقديمها منذ عام 2008 كجزء من ضمانات التهدئة.

الطلب الإسرائيلي من قطر يشير إلى أن نتنياهو وفريقه، لا يرغب في تصعيد التوتر على جبهة قطاع غزة في هذه الفترة وقبل الانتخابات، والسبب هو أن مثل هذا التصعيد من شأنه أن يقلل من فرص رئيس الحكومة الباحث في كل مكان وفي كل اتجاه لإنقاذ مستقبله السياسي.

 وفي الأساس فإن سياسة نتنياهو تقوم على تحقيق استثمار استراتيجي لحالة الانقسام في صفوف الفلسطينيين، مما يعني أنه لم يستنفذ بعد الحاجة من وقوع واستمرار هذا الانقسام، الذي يقترب من إقفال سنته الثالثة عشر.

وزير الحرب الإسرائيلي نفتالي بنت الذي حين كان خارج إطار المسؤولية، يلح ويحرض على ضرورة قيام الجيش بعملية واسعة تؤدي إلى اجتثاث المقاومة وسلاحها، عاد ليتحدث عن الحاجة للهدوء والاكتفاء بالتهديد.

 مثله مثل أفيغدور يبرمان، الذي لم يتوقف عن التحريض على ضرورة قيام الجيش بعملية اجتثاث جذرية لحكم حماس والسلاح الفلسطيني في غزة، لكنه لم يفعل ذلك حين كان وزيراً للجيش وها هو يعود إلى الخطاب ذاته، بدوافع التحريض على نتنياهو. الفلسطينيون كانوا قد استجابوا للوسطاء الباحثين عن التهدئة، فأوقفوا النشاطات الخشنة، ثم أوقفوا نشاطات مسيرات العودة على الحدود، ومؤخراً أوقفوا البالونات المتفجرة، لكن إسرائيل تلاعبت بكل التفاهمات وفي كل مرة أعلنت التراجع عن بعض الإجراءات التخفيفية التي تعلن عنها.

اللافت في هذه الجولة أن سرايا القدس هي التي تبادر وتنفرد بالرد، وهذه هي المرة الثانية التي تقع إثر اغتيال القائد في السرايا بهاء أبو العطا.

 الفصائل الأخرى بما في ذلك حركة حماس اكتفت بخطاب إعلامي سياسي يؤكد وحدة المقاومة في موجهة العدوانات الإسرائيلية، الأمر الذي جعل إسرائيل تدعي نجاحها في تحييد حركة حماس، وأنها بالإضافة إلى ذلك وفي المرتين استهدفت حركة الجهاد الإسلامي في دمشق.

واضح أن خطاب حكومة نتنياهو موجه للناخبين ويحاول أن يسوق عليهم انتصارات وهمية وبأن الحكومة ماتزال تملك القدرة على الردع وأنها لا يمكن أن تتهاون إزاء أمن المستوطنين، غير أن هذا الخطاب مجرد هراء ذلك أن المقاومة أكدت أنها لا يمكن أن تخضع لمعادلة هدوء مقابل هدوء، كمان أنها فرضت معادلة الرد بالمقابل.

في السياق لا يمكن للمتابع أن يمر مرور الكرام، على تكرار ظاهرة انفراد حركة الجهاد في الرد، المسألة تعود إلى اختلاف حسابات الحركة عن حسابات حركة حماس، فضلاً عن أنها تنطوي على إشارات واضحة إلى ان العصمة والقرار فيما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل ليست بيد حركة حماس وحدها.

 على أن حسابات ما قبل الانتخابات تختلف عن حسابات ما بعرها، والأمر يتعلق بنتائج الانتخابات ومن سينجح بتشكيل الحكومة، خاصة وأن صفقة القرن تتضمن بنداً أو شرطاً يتحدث عن سحب سلاح المقاومة. في كل الأحوال من غير الممكن فصل ما يجري على جبهة غزة عن ما يجري في الضفة والقدس، ولذلك فإن الأمل في تحقيق تهدئة أو هدنة مستقرة مثل أمل إبليس في الجنة.