صادق الشافعي - النجاح الإخباري - لا مبالغة في القول إن عشرات من المقالات كتبت حتى الآن حول ما سمي" صفقة القرن" أو "خطة الرئيس ترامب"، قبل وبعد أن أعلنها.
غطت الكتابات جميع الجوانب من التوقيت، الى الشكل والإخراج، الى استهدافاتها المنفعية والاستخدامية، الى البنود والمحتوى والجوهر، الى فرص النجاح، الى القبول والرفض.
مع ذلك يبقى هناك مجال للتطرق الى عدد من الملاحظات والمشاهد:
* إن الصفقة بجوهرها الأساسي وبنودها وضعت قصداً بصياغة تضمن الرفض الفلسطيني لها.
وجاءت "احتفالية" الإعلان عنها لتضيف تأكيداً لهذه الحقيقة.
لقد غاب عن احتفالية إعلان الصفقة، الطرف الثاني المعني بها (الفلسطيني). لم توجه له الدعوة، حتى لو بهدف الإحراج وتبرئة الذمة.
* الصفقة كما تم الإعلان عنها لم تأتِ بأي جديد نوعي لم تكن التسريبات كشفته. والتسريبات لم تكن عفوية، ولم يتم نفيها او تصحيحها، لضمان تطفيش الطرف الفلسطيني.
مارتن إنديك السفير الأميركي السابق الى دولة الاحتلال ومبعوث الرئيس أوباما للمنطقة يقول حسب نيويورك تايمز "أن يقوم (الرئيس ترامب) بعمل كهذا وسط الانتخابات الإسرائيلية ودون مشاركة الفلسطينيين وبدون خطة لمتابعتها مع المشاركين فيها، يعني أنها ليست خطة سلام على الإطلاق.... إنها مهزلة".
أما "نيويورك تايمز فختمت تقريرها بالقول إنها (الصفقة) لن تكون "صفقة قرن، بل دفعة انتخابية لنتنياهو".
* كل الكلام الذي قيل وكتب عن "احتفالية " إعلان الصفقة، كان صحيحاً تماماً.
وصحيح كذلك، الكلام عن اختيار توقيتها ليخدم هدفين متزامنين:
الأول، احتياجات "نتنياهو" في انتخابات الكنيست المعادة، وفي التعامل مع الملفات القضائية المفتوحة ضده.
والثاني، احتياجات ترامب في حملة إعادة انتخابه، وفي التعامل مع التحقيق الذي يجري معه في الكونغرس.
* العديد من أسس ومفاصل الصفقة جرى تنفيذها بقوة الاحتلال وموافقة وشرعنة الإدارة الأميركية قبل الإعلان عنها:-
القدس الموحدة عاصمة لدولة الاحتلال - إنكار موضوع اللاجئين وحق العودة - تشريع الاستيطان والمستوطنات وضمها لدولة الاحتلال - رفع صفة الاحتلال عن الأراضي التي تسيطر عليها دولة الاحتلال او تضمها - إعطاء الضوء الأخضر والموافقة المسبقة على فرض دولة الاحتلال سيادتها على غور الاردن وشرق البحر الميت كمقدمة لضمها.
* بمنطق الصفقة التجاري الاستثماري، فان الوسيط او الحكم المحلف (ترامب) أعطى للطرف الأول (دولة الاحتلال) كل ما يطلب وزيادة ومقدماً، مع علمه المسبق انه قد نفذ وامتلك معظم تلك العطايا، وجاهز لتنفيذ الباقي بدءاً من اليوم التالي (الأغوار).
بالمقابل فانه لم يقدم للطرف الثاني (الفلسطيني) شيئاً سوى وعد - مجرد وعد – بدولة، بلا سيادة ولا تواصل ولا سلطة ولا أمن ولا عاصمة في القدس، ومؤجلة ومشروطة الإعلان لما بعد التفاوض على التفاصيل والشروط الذي يمتد لأربع سنوات.
ومن يطلع على خريطة الدولة الموعودة المرفقة مع الخطة يدرك كم هي كوميديا سوداء، او كاريكاتير هزلي مفجع.
** الصفقة في أساسها وجوهر مضمونها، بقدر ما تهدف، من جهة أولى، ضمان التوسع والأمن والاستقرار لدولة الاحتلال والقبول بها والتعامل - وربما التعاون- معها كدولة طبيعية وأساسية في المنطقة.
فإنها ترمي من جهة ثانية، الى إلغاء، مرة والى الأبد، كل وصف لها بالمحتلة او دولة احتلال، وكل حديث عن احتلال وأراض محتلة وبشر محتلين وحقوق وطنية مغتصبة وعن صراع فلسطيني/عربي - صهيوني.
ومن جهة ثالثة، شطب كل دور ووظيفة للمجتمع الدولي ومؤسساته المتنوعة ودوله في هذا الامر، والى رمي كل لجانه ومشاريعه وقراراته عبر سني الصراع الطويلة في غياهب النسيان، لصالح الانفراد الأميركي.
*** تبقى ملاحظة أخيرة حول الاستقبال والتعامل الفلسطيني مع الصفقة كما تم إعلانها:
أولها، تسجيل الفخر والاعتزاز، مع الفرح والثقة، بحالة الاجماع الممتدة على جميع مناطق تواجد الشعب الفلسطيني في الوطن وخارجه، تعلن بكافة أشكال التعبير عن رفضها المطلق لصفقة ترامب، وتؤكد التمسك بالحقوق الوطنية والتاريخية الثابتة، واستمرار النضال في سبيل تحقيقها.
وثانيها، الترحيب باتفاق كل القوى والتنظيمات الفلسطينية على نفس الموقف.
والأهم، إعلانها السريع عن تصميمها التصدي لصفقة ترامب بشكل موحد والبدء بعمل جاد من أجل استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية بكل قواعدها وتعبيراتها ومؤسساتها، خصوصاً وأن الإعلان السريع ترافق مع مقترحات عملية.
وثالثها، مشاركة كل التنظيمات الفلسطينية بما فيها "حماس" و"الجهاد" في اجتماع القيادة الموحد. وصدور اعلان وقرارات إجماعية مبشرة، من أهمها قرار إعادة النظر بشكل كامل بالدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية والبدء بإعداد خطط استراتيجية، وتعزيز حضور المنظمة وحمايتها.
هذا القرار يفتح على ورشة واسعة لعمل داخلي يطال كل مناحي الأوضاع الفلسطينية: الوحدة والقيادة والبرنامج والمؤسسات والأجهزة والاتفاقات والعلاقات و...
كل الأمل، أن يتم ذلك بكل جدية ومسؤولية وطنية أولاً، وبالتوجه أساساً إلى أهلنا في الوطن وتجمعات الشتات وفي المهاجر أيضاً، ففي البدء والأساس هم الذخيرة ومصدر القوة، وأصحاب الحق الأول. وبالتحرر من العموميات والكليشيهات الجاهزة، ومعها او قبلها الابتعاد إلى أقصى درجة عن الحسابات التنظيمية الضيقة، وعن تحالفاتها وشروطها.
حبذا.. ويا ليت... لو يشارك في هذه الورشة أوسع تمثيل ممكن للناس أهل الوطن وقواهم المجتمعية.

 

نقلا عن صحيفة الأيام