طلال عوكل - النجاح الإخباري - نشر الزميل هاني المصري على صفحته، سؤالا، يطلب من قرائه المساهمة في الاجابة عنه، بشأن كيفية التعامل مع صفقة القرن، بين موقفين: الرفض، والقبول. يبرر هاني السؤال، بالقول أن هناك رأي لا تقرأه في المقالات المنشورة، ولا بتشوفه في المقابلات مع المسؤولين والمحللين السياسيين، ولكنه موجود، ومفاده يكفينا رفض الخطط المطروحة، من قرار التقييم، حتى أولمرت وما بينهما... ويتساءل لماذا لا نقبل بصفقة القرن لأنها المطروح على أرض الواقع ولا بديل عنها، وأن القبول يمكن أن يجعلنا نحتفظ بما لدينا، وأن ترفضها الأوساط اليمينية الإسرائيلية، وأن نحقق السلام الاقتصادي الذي يبقى أحسن من بلاش. مما يكتبه ويقوله الزميل المصري، لا يمكن لأحد أن يسيئ فهمه بما أنه يرفض التعاطي مع صفقة القرن، ولكنه يطرح السؤال بعقل الباحث السياسي، والكاتب الذي عليه أن يفحص كل الخيارات بعقل مفتوح، لإثارة نقاش حول قضية كبرى. من حيث المبدأ فإن الجدل الموضوعي الحقيقي البعيد عن المزايدات والإسقاطات الجاهزة، والسقوف المغلقة، هو أمر طبيعي ومطلوب، ولا أظن أن هاني يضع نفسه في موقع التبرير، أو تشجيع من يفكر في رسم سياسة واتخاذ مواقف في اتجاه القبول بتلك الصفقة. كان الزميل أكرم عطا الله قد استعرض في مقال نشرته جريدة الأيام مؤخرا مسيرة الرفض الفلسطيني، ولم يكن ذلك بهدف تسويغ موقف القبول بالصفقة الأمريكية الإسرائيلية ولكن لتعميق وتفعيل موقف الرفض، الذي يتطلب برنامجا ورؤية استراتيجية لإفشالها.

نعلم من حيث المبدأ أن واحدا من تعريفات السياسة أنها فن الممكن، لكن ممارسة السياسة على أساس هذا التعريف في حالة القضية الفلسطينية يعني الاستسلام للمخطط الأمريكي الصهيوني. الصفقة لم يتم الإعلان عنها حتى الآن ولكن ما هو الممكن المقبول بعد أن تصادر تلك الصفقة أهم و جوهر الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني؟ هل يمكن لموقف القبول بالصفقة حين يتم الإعلان عنها، أن يفتح المجال أمام الشعب الفلسطيني لمواصلة كفاحه من أجل التحرر الوطني بعد أن دفع التحالف الأمريكي الإسرائيلي الأمور نحو الصراع المفتوح على كل الحقوق وكل الأرض؟ وهل يمكن أن يشكل القبول الفلسطيني بالتعاطي مع الصفقة عاملا مهما في تحشيد موقف عربي وإسلامي رسمي وشعبي للحقوق الفلسطينية أم أن ذلك سيشكل انهيارا كاملا لمنظومة الدفاع عن الحقوق الفلسطينية والعربية طالما ان أصحاب الحق وهم الفلسطينيون قد قبلوا بإسقاط حقوقهم الأساسية؟ ثم ما الذي يبقى من قرارات الشرعية الدولية ومواقف وسياسات المجتمع الدولي، التي تتمسك بالحد الأدنى من الحقوق التي تقررها الأمم المتحدة؟ إن منطق القبول بصفقة التحالف الأمريكي الإسرائيلي من شأنه أن يعمق الانقسام في الوضع الفلسطيني على المستويين الرسمي والشعبي، وأن يشكل تنازلا مهينا عن الرواية الفلسطيني لصالح الرواية الإسرائيلية، ويمنح تبريرا لما ارتكبته وترتكبه القوى الاستعمارية التي دعمت وتدعم الحركة الصهيونية لفر مخططاتها التصفوية.

يشكل موقف التعاطي مع صفقة القرن من باب القبول الفلسطيني صك براءة للجرائم التي ارتكبتها وترتكبها العصابات الصهيونية وإسرائيل، ويضع معايير متناقضة تماما مع حقوق الإنسان وحق الشعوب في الكفاح من أجل التحرر والاستقلال. إن الموقف الفلسطيني المتماسك والشامل برفض التعاطي مع هذه الصفقة، التي لم تعد مضامينها وأهدافها غامضة، من شأنه أن يعظم الصراع مع قوى الاستعمار والعنصرية التي تحاول استباحة كل الحقوق وكل المصالح والثروات الفلسطينية والعربية. هنا تأتي الملاحظة التي طرحها هاني وأكرم والعديد من الكتاب والمحللين، والتي تؤكد على ضرورة أن لا يكتفي الفلسطينيون بالإعلان عن الرفض، وأن ما ينبغي أن يكون ذلك عنوانا لاستراتيجية وطنية فلسطينية شاملة وبرنامج عملي  من أجل إفشال تلك الصفقة ما ظهر منها وما بطل. أرجو أن لا يؤدي سؤال هاني والإجابة عنه إلى تشتيت أذهان ومواقف الفلسطينيين، وبالتالي إضعاف المحاولات الجارية والمطلوبة من أجل إسقاط وإفشال تلك الصفقة المشؤومة.