أكرم عطا الله - النجاح الإخباري - كنت ولازلت أتمنى أن من اعتدوا على الناطق بإسم حركة فتح الدكتور عاطف أبو سيف هم مجموعة من الارتجاليين لنواسي أنفسنا بالقول أن هذه مجموعة خارجة عن الصف الوطني لكن الشعور الخفي شبه المؤكد لدينا جميعاً أن الاعتداء تقف خلفه جماعة منظمة اتخذت القرار على مستوى معين هو ما يزيد احباطنا جميعاً من طبيعة الخلاف والاختلاف لدينا.

ما حدث مع الدكتور أبو سيف ليس خلافاً عائلياً أو جريمة جنائية بل أدرك الجميع منذ لحظة الاعتداء أن من يقف خلف الاعتداء هي جهة سياسية بامتياز والاشارة تذهب للجهة المجهولة المعلومة لدينا جميعاً.

المناخ السياسي مسمم بحده الأقصى والتصريحات الأخيرة بين حركتي فتح وحماس تدعو للخجل وأكثر من ذلك تدعو للتفكير بشكل ومستوى الصراعات السياسية والاعتداء على الناطق باسم حركة فتح تعكس طبيعة التعبير عن تلك الخلافات ولا أتوقف عند الجريمة كجريمة تمت في وضح النهار من قبل مسلحين وبسيارات بلا أرقام كانت معدة خصيصاً لكن المخيف في الأمر أننا ندير صراعاتنا حتى الآن بقوة الذراع وبنوع من البلطجة غير المسبوقة.

بماذا نختلف عن الأمم الأكثر أمية ومجاهل أفريقيا التي لا يتم التعبير عن أزماتها السياسية إلا من خلال مشهد أبناء القارة السمراء يقفون مسلحين على الحواجز يضربون الذين يختلفون عنهم أو الذين يعارضونهم،  خسارة أننا ننشيء نظاماً سياسياً وجماعات وأحزاب ونحتكم للسلاح ولقبضة اليد وللبسطار وعدد الرجال الذين لا يعنيهم القانون أمام وهج القوة.

أي نموذج هذا الذي أقمناه وأي نظام الذي نطمح لبنائه وأية سياسة وأي حكم هذا الذي يحلم به المواطن وأي ساسة هؤلاء الذين يجلسون ويجتمعون ثم يرسمون خطة الاعتداء على مواطن مدني لمجرد أنه مختلف والمسألة هنا لا تتعلق بحجم الاعتداء أو الضرر بل بحجم ثقافة مخيفة الى هذا الحد.

وهنا يصبح السؤال من نحن؟ وماذا نريد ؟ فالمشهد يبدو سوداوياً ونحن منذ أقمنا هذه السلطة تحت الاحتلال ونحن نحترق داخلياً في مجموعات من الصراعات التي لا نهاية لها فالسلطة لها مغرياتها وكل حزب يريد أن يقصي الآخر من الوجود ولا أحد يحتمل الآخر والأسوأ أن الأسابيع والأشهر الأخيرة تشهد موجة تصعيد وتصنع مناخاً يمهد لممارسة كل أنواع الاقصاء والاعتداء ولو لم تحصل هذه الحادثة ستحصل غيرها وهنا تصبح الجريمة واحدة من منتجات مناخاً أفرزته ثقافة اقصائية لا تعرف الحلول الوسط لأن توربينات العنف يتم شحنها تلقائياً بشكل يومي بين كل الأطراف ومن لا يصدق فقط يكفيه أن يطل على احدى الصفحات الالكترونية أو وسائل التواصل ليعرف طبيعة الحوار والتحريض القائم.

فشلنا في توزيع السلطة وفشلنا في المصالحة وفشلنا في تقاسم صندوق الانتخابات وفشلنا في الشراكة فالصراع المسلح الذي دار على أض غزة عام 2007 أسقط أول حكومة وحدة وطنية في التاريخ الفلسطيني القصير،  كيف لم نحتمل ذاتنا أن نجلس على الطاولة شركاء؟ تلك كانت تجربة فريدة قتلتها بنادق المتعجلين بالانقسام.

منذ سنوات لا نسمع غير الهجوم المتبادل،  توقف السلاح بين الطرفين الذي استعر في شوارع غزة وانتقل بفعل المانع الجغرافي الاسرائيلي بين الجانبين حين أصبح لكل طرف حصته من الوطن انتقل الى الفضائيات،  منذ سنوات لم نسمع عن تحقق حالة وحدة واحدة فالجسد الفلسطيني يبدو أنه أخذ في التفتت أكثر والتشرذم أكثر ويغرق أكثر في صراعاته ولا يعدم الوسيلة الأكثر سوء بالتعبير عنها مرة بالسلاح ومرة بالتخوين ومرة بالاعتداء ولا أمل في أي انفراجة لهذا البؤس القائم والذي تلخص في غزة وحين تعيش كل الجاليات الفلسطينية بنوع من الهدوء ظلت غزة الوحيدة تقف على رأسها مرة انقلاب ومرة حرب ومرة اعتقال ومرة جوع ومرة اغلاق ومرات خوف ولا نعرف الى أين تتدحرج هذه المنطقة المنكوبة.

حادثة الاعتداء على أبو سيف خطيرة ينبغي التحقيق فيها وكشف مرتكبيها وتلك مسئولية حركة حماس باعتبارها صاحبة السيادة الوحيدة على قطاع غزة وهي التي تشرف على أجهزة الأمن فيها ولها تجربة ناجحة تفخر بها في الكشف عن كثير من الجرائم في غضون ساعات وهذه الجريمة ليست معقدة ومن أكثر الجرائم سذاجة لا تحتاج الى كثير من الجهد للقبض على الجناة وتقديمهم للمحاكمة لأن تمريرها يعني التمهيد لمرحلة من الاعتداءات وربما وسط هذا المناخ يجري الانزلاق لما هو أكثر وحتى لا تنحدر الى مستوى شريعة الغاب ...!!!