حسن خضر - النجاح الإخباري - الديمقراطية أصابت، والشعبية أخطأت. الأولى اختارت المشاركة في دورة المجلس الوطني، والثانية امتنعت. كلتاهما من مكوّنات منظمة التحرير. موقف الأولى يحمي المنظمة، وموقف الثانية يُعرضها للخطر. وكلتاهما، أيضاً، بلا وزن يُعتد به، بالمعنى الانتخابي، في المشهد السياسي الفلسطيني الراهن، وكلتاهما تسحب مِنْ، وتعتاش على، رصيد رمزي تراكم في سبعينيات القرن الماضي، في زمن صعود الحركة الوطنية. 
واهمٌ مَنْ يعتقد أن المجلس الوطني يمكن أن "يُخرج الزير من البير"، ولكن اللحظة الراهنة تستدعي، وتحرّض على، الدفاع عن المنظمة، ومؤسساتها التمثيلية، بصرف النظر عن فعاليتها، وما يسمها من خلل بنيوي، وتصلّب في الشرايين، والسبب بسيط: لا وجود لبديل وطني (والتشديد ضروري على صفة الوطني) يسد ما يمكن أن ينجم عن انهيار المنظمة من فراغ. 
لم أكن مُعجباً بالراحل ياسر عرفات، ولكن يمكن أن أنقل عنه، وأتماهى مع أقوال صدرت عنه، ومنها أن الثورات تُسرق. 
كرر عرفات عبارته تلك في مناسبات لا تحصى، وشاءت الظروف أن أسمعها منه ذات مساء، على الساحل التونسي في حمّام الشط، ولم يعرف أحد من السامعين، في حينها، أنه كان يعد العدّة للعودة، سرّاً، بعد أيام إلى شمال لبنان، لحماية المنظمة من السرقة، والحيلولة دون سقوطها في يد المنشقين. 
واليوم، ثمة مَنْ يحاول سرقة، ومصادرة، واحتكار تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، التي نشأ أصلاً لتقويضها، للحصول على شرعية لن ينجح في ادعائها ما لم يتمكن من إعادة التموضع، بأثر رجعي، في تاريخ جاء من خارجه، وانقض عليه.  
لا ديمقراطية، ولا شعبية، هذه الأيام، ولا أحد من مكوّنات الحركة الوطنية، في أيامنا الكالحة هذه، جعل من دروسها مسطرة لقياس الواقع، وبوصلة في ليلة يُفتقد فيها البدر. 
وقد كان الدرس الأهم، الذي استخلصه صنّاعها، في أواسط ستينيات القرن الماضي، من النتائج الكارثية لثورة العام 1936، أن الاقتتال الداخلي وصفة مضمونة للهزيمة. 
وكان ما استلهموا من دروس، بعد كارثة العام 1948 أن انهيار المؤسسات التمثيلية الجامعة، بعد ذلك العام، كان الوجه الآخر للنكبة. 
وبناء عليه، أصر آباء الحركة الوطنية، بحماسة مُفرطة، على الصفة التمثيلية لمنظمة التحرير بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب، وبيته المعنوي، وخيمته الجامعة.
لم يقتصر إصرارهم، طبعاً، على البلاغة والخُطب، بل تجلى في قتال دائم بقوّة السياسة، وسياسة القوّة. ولنذكر مغامرة محفوفة بالمخاطر، ومجازفة تنفتح على احتمالات كثيرة، تسلل خلالها عرفات، عن طريق البحر، إلى شمال لبنان، في صيف العام 1983، لحماية المنظمة من محاولة للاستيلاء عليها من جانب نظام آل الأسد. 
وقد استعان هؤلاء، في حينها، بفلسطينيين رفعوا شعارات إصلاحية، وحاولوا إقناع الشعب، كما يحدث، ويفعل آخرون الآن، بأنهم يريدون تحرير فلسطين الآن، الآن، وليس غداً، من النهر إلى البحر، طبعاً، ولكن هذا مشروط بتطهير المنظمة من قيادة فاسدة ومتآمرة على الشعب والقضية.
وإذا كان ما ذكرنا من دروس تخص آباء الحركة الوطنية، فإن في ذاكرة جيل الأبناء، الذين ساروا على طريقهم، الكثير من دروس تُستخلص من تجربة "جبهة الصمود والتصدي"، و"جبهة القوى الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية"، في أواخر سبعينيات القرن الماضي، التي ارتهنت فيها الحركة الوطنية لصراعات عربية ـ عربية لملء الفراغ الناجم عن خروج مصر، ونشبت نتيجتها صراعات مجانية، تماماً، شقّت الحركة الوطنية، وكادت تودي بها، وسط ضجيج يصم الآذان.
وما يستحق الذكر، في هذا المقام، أن جماعة "أبو نضال"، التي كانت، فعلاً، "بندقية للإيجار"، واشتغلت مع أغلب أجهزة الأمن في طول العالم العربي وعرضه، والتي ستقتل في وقت لاحق بعض أبرز القادة الفلسطينيين، وجدت في صفوف الحركة الوطنية مَنْ يتحالف معها، في أطر مشتركة، ضد قيادة المنظمة المُتهمة بالتآمر على الشعب والقضية.
وبقدر ما يتعلّق الأمر بما نحن فيه، وعليه، في الوقت الحاضر، فإن مقاطعة المجلس الوطني، مهما تعددت وتنوعّت الأسباب، تنطوي على مفارقة مُدهشة، فلم يسبق لقيادة المنظمة أن "شربت حليب السباع"، كما يحدث الآن، ولكن من عابوا عليها "ليونة" في الماضي، لا يشدون من عضدها، اليوم، بعدما "اخشوشنت":
من يجرؤ على قول لا للإمبراطورية الأميركية، في الشرق الأوسط، خاصة في زمن تاجر للعقارات اسمه ترامب، يقدم على مجازفة باهظة الثمن، ولا تُحمد عقباها. فالكل، أو الأغلب، في عالم عربي تشتعل فيه النيران، يحاول استرضاء الأميركيين، وحتى التقرب من الإسرائيليين للفوز بقلب ساكن البيت الأبيض، وبين هؤلاء بعض داعمي وحلفاء وحماة المنظمة.
والواقع أن قيادة المنظمة قالت لا للأميركيين. وإذا كان ثمة من ضرورة للتعبير عن رغبة شخصية فأرجو أن تجد طريقة للنزول عن الشجرة دون الانخراط، بالضرورة، في المشروع الأميركي. 
ولكن بقدر ما يتعلّق الأمر بأطراف في الحركة الوطنية قاطعت المجلس الوطني، فإن في موقف المنظمة، وخلافها مع الأميركيين، ما يفرض على هؤلاء أن يكونوا من أوراق القوّة في يدها لا في أيدي خصومها، الذين، إذا استعرنا عبارة موحية من محمود درويش: "يُعدّون الجنازة، وانتخاب المقصلة".
وما تراكم من رصيد رمزي، في سبعينيات القرن الماضي، ينبغي استثمار ما تبقى منه، وهو قليل، في حماية المؤسسات التمثيلية للحركة الوطنية في ظل ورطة حقيقية مع الأميركيين، بالمشاركة لا بالمقاطعة. ولهذا، وبهذا، أصابت الديمقراطية، وأخطأت الشعبية.