مهند ذويب - النجاح الإخباري - لاحقت ظاهرة الانتحار الكُتاب والأدباء والشّعراء منذُ زمنٍ بَعيد، فالكاتِبة الانكليزية “فرجينيا وولف” (1882-1941) قامَت بملء الحجارة في جيوبها؛ لتغرق نفسها في النّهر، والرّوائي  الأمريكي ” آرنست همينغوي”(1899-1961)  الذي قتل نَفسه برصاصة في الرأس،  والمسرحي و الكاتب الرّوائي الياباني “يوكيو ميشيما”(1925 -1970 ) انتحر واضعًا سيفًا طويلًا في بطنه، وغيرهم الكثير، كخليل حاوي، وصفيّة كتّو، ومنير رمزي، وابراهم زايِد، والفلسطيني مهنّد يونِس. 

نِضال غريبي، كاتِب ومصوّر تونسيّ مبدع في الثلاثين من عمره، من محافظة القيروان التّونسيّة قرّر الانتحار تاركًا وراءَه رسالةً كتبها قبل دقائِق من انتحاره، ودوّنها على صفحةٍ كان يديرها اسمها: (كتب ممنوعة ونادِرة).

في تمام السّاعة 16:07 من يوم 27/03/2018 كتب نِضال: 

" أنا الآن لا شَيء، تفصلني خطوة عَن اللاشيء، أو فلنَقل قفزة، غريبٌ أمرُ الموت ما أبخس ثمنه، دينارٌ ونصف الدينار ثمن الحبل، وبعض السّجائر، غريب أمرُ الحقيقة ما أبخسَ ثمنها لكنّنا لا نرى، نملأ أبصارنا وبصائرنا دومًا بالأوهام، حتى تَصيرَ الحقيقة تفاصيل لا نراها، نَحن لا نَرى غيرَ ما نريدُ رؤيته، لا نرى من الأخضر غير يابِسه، حتّى تختلط علينا الألوان، ومفاهيمها، شأننا شأن أحبّتي، الذين رغم تواضعي يظنّون أنّني عيسى، فإذا ما صدّقوا ما ادّعوا، اختلط عليهم الأمر، فراحوا لا يفرقون بين القلبِ والمِعصم، وصارت أوتادُهم تنهمل على صدري كسهام الوغى .

غريبٌ أمرهم، بل غريب أمركم جميعًا إذْ تظنُّون بموتي أنّني أناني، لكنّني في الحقيقة أبعد ما يُمكن عن الأنانية، دقِّقوا في التّفاصيل، لو كنت كما تدّعون لكنت التهمت ما استطعت من أدوية أمي المريضة ورحلت، لكنّني أعلم علم يقين أنّ عائلتي المسكينة ستنصرف إلى مراسم دفني وقبول التّعازي، وسَينسون بالتّأكيد أنْ يشتروا لها دواءً بدلَ الذي دفن في معدتي، لكنني لم أفعل، لو كنت بالأنانية التي تدّعون، لكنت رميت بنفسي أمام سيارة على عَجل، أو من فوق بناية عالية، لكن، حرصًا مني أن لا تتلف أعضائي، التي أوصي بالتّبرع بما صلح منها، لم أفعل .

سادَتي، أحبّتي، عائلتي المضيّقة والموسّعة، أوصيكم بأنفسكم خيرًا، وبأولادكم حبّا .. أحبّوهم لأنفسهم، لا تحبّوهم لتواصل أنفسكم فيهم، اختاروا لهم من الأسماء أعظمها وأرقاها، وكونوا شديدي الحرص في ذلك، فالمرء سادتي رهينٌ لاسمه، شأني، أمضيت عقودي الثلاثة بين نضالٍ وضلالة وغربة، علّموا أطفالكم أنّ الحبّ ليس بحرام، وأنّ الفنّ ليس بميوعة، لا تستثمروا من أجلهم، بل استثمروا فيهم، علموهم حب الموسيقى والكتب .

السّاعة الآن الرابعة بعد الظّهر، من السابع والعشرون من مارس ثماني عشر وألفين، أفارقكم عن سنّ تناهز أسبوعين وأربع أشهر واثنين وثلاثين سنة .

أحبّكم جميعًا دون استثناء، وأخص بالذكر هيرا، تلك العشرينية إيناس، تلك البريئة التي شيطنتها الحياة وحبي .

آسف من الجميع. "

رحل نِضال بعد أن أُغلقت في وجهه سُبل الحياة الكريمة، وتركَ وراءَه حزنًا عميقًا، وأسئِلة تضربُ جدرانَ الحياة بعنف: 

- لماذا رحل نِضال ؟

- ربّما ليجرّب الموت الآخر، أو  ليعاقِب الحياة ويعاتِبها.