السفير الصيني تشن شينغتشونغ - النجاح الإخباري - في الحادي عشر من ابريل عام 2015، وطأت أقدامي أرض فلسطين بكل التوصيات والصداقة من الصين قيادة حكومة وشعبا، بصفتي المدير الـ15 لمكتب جمهورية الصين الشعبية لدى دولة فلسطين. وتشرفت بأن أتولى هذه الرسالة السامية والمسؤولية الكبيرة من أجل دفع الصداقة التاريخية الصينية الفلسطينية وأنا أمثل أكثر من مليار وثلاثمائة مليون صيني أثناء الفترة الحاسمة التي شهد فيها وطني العظيم تطورا مزدهرا وحيويا.

مضت سنتان وتسعة أشهر في لحظة العين وبمناسبة إنهاء مهمتي، يطيب لي أن أعبر عن شكري الخالص للاصدقاء الفلسطينيين من الأوساط المختلفة، على متابعتهم للتنمية الصينية والعلاقات الثنائية، وعلى مودتهم للجاليات الصينية في فلسطين، وعلى دعمهم لمهمة مكتب الصين وعلى محبتهم لي شخصيا. فكنت أقضي كل يوم في أجواء ودية عزيزة بسرور أثناء تواجدي في فلسطين.

كنت أحافظ على التواصل والتعاون الوثيقين مع الحكومة الفلسطينية والأصدقاء الفلسطينيين من أجل مناقشة كيفية دفع التنمية والتعاون بين البلدين. كادت بصمتي تنتشر في كل المحافظات من الضفة الغربية إلى قطاع غرة، كنت أزور المصانع والمزارع والمدارس والأرياف والحقول لأتجاذب أطراف الحديث بصورة معمقة مع الأبناء المحليين. وكنت أتجول دائما في شوارع مدينة رام الله، وذهبت إلى كنيسة المهد بمدينة بيت لحم باحثا عن الآثار المقدسة، وتمتعت بالتاريخ في مدينة أريحا إلى جانب ذهابي إلى مدينتي الخليل ونابلس للتعرف على الازدهار التجاري. لمست بعمق نبض الشعب الفلسطيني حول المكافحة والتنمية واللفتة القلبية من القطاعات الفلسطينية كافة تجاه الصين والحماسة العالية إزاء تطوير العلاقات الثنائية. وذلك من خلال تعايشي ليلا نهارا ولقاءاتي الودية المكثفة مع أبناء الشعب الفلسطيني الذي يتمير بقلبه الطيب وسريرته الصافية، والأمر الذي ترك لي انطباعا عميقا. افتخر بشدة بأن تتاح لي الفرصة لأعمل في فلسطين خلال أول ولاية لي كسفير. قد أصبحت فلسطين بلدي الثاني. بمناسبة المغادرة، صعب عليّ الفراق والوداع، أتمنى من صميم قلبي غدا أفضل لفلسطين.

تضرب جذور الصداقة بين الصين وفلسطين في أعماق التاريخ. تعتبر الصين من أوائل الدول التي دعمت المقاومة الوطنية الفلسطينية واعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين. إن العلاقة الودية بين البلدين نشأت برعاية  الرئيس ماو تسىتونغ ورئيس مجلس الدولة تشو انلاى والرئيس ياسر عرفات، وصمدت أمام اختبارات تداعيات الأوضاع الدولية والاقليمية، وصولا إلى الصداقة الوثيقة المتميزة بين شعبي البلدين. من جد وجد ومن زرع حصد، أثناء أدائي مهمتي، ظللت أذكر رسالتي سعيا وراء توارث الصداقة التاريخية الصينية الفلسطينية بكل ما في وسعي، إذ كنت أقود طاقمي مع الأصدقاء الفلسطينيين جنبا إلى جنب وقلبا مع قلب، بذلنا جهودا مشتركة لدفع التعاون الثنائي في كافة المجالات لتحقيق تقدم واختراق جديدين، الأمر الذي أدى إلى قفزة للعلاقات الثنائية. فأشعر بكل الاعتزاز والارتياح وأنا أضيف لبنة لصرح  الصداقة الصينية الفلسطينية.

شهدت السنوات الثلاث الماضية نتائج مثمرة لتطور العلاقة الصينية الفلسطينة، حيث تعززت العلاقات السياسية وتكثفت الزيارات رفيعة المستوى بين البلدين. قام فخامة الريئس محمود عباس بزيارة ناجحة إلى الصين، حيث توصل رئيسا البلدين إلى توافق واسع أوضح باتجاه تطوير العلاقات الثنائية. قام كل من رئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني تشانغ دهجيانغ ونائب رئيس مجلس الدولة وانغ يانغ ونائبة رئيس مجلس الدولة ليو ياندونغ ونائب رئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني كيانغبا بونكوغ بالزيارة إلى فلسطين. زار الصين كثير من كبار المسؤولين الفلسطينيين، بمن فيهم أمين عام الرئاسة السيد الطيب عبد الرحيم ونائب رئيس حركة "فتح" محمود العالول، والأمين العام لجبهة النضال الشعبي وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية د. أحمد مجدلاني.

يجري الجانبان التشاور والتعاون في إطار الحزام والطريق بكل نشاط، من المتوقع أن تعقد الدورة الاولى للجنة الاقتصادية والتجارية المشتركة بين البلدين، وقد أطلق الجانبان دراسة الجدوى لاتفاق التجارة الحرة بين البلدين، سيقوم وفد الخبراء من الجانب الصيني بتفقد منطقة ترقوميا الصناعية. ولأول مرة شاركت شركة صينية في تقديم عطاءات في فلسطين. حققت مشاريع المساعدات الصينية تطورا مطردا، حيث شهد مشروع محطة الطاقة الشمسية تقدما إيجابيا، سيفتتح مشروع الطرق في مدينة رام الله المدعوم من الجانب الصيني في وقت قريب. تدخل على التوالي 22 ملعبا بالأعشاب الاصطناعية الصينية حيز الخدمة. سيواصل الجانب الصيني تنفيذ مشروع توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية لـ20  مدرسة فلسطينية ومشروع جديد لتعشيب الملاعب.

يولي الجانب الصيني اهتماما بالغا بتعزيز بناء القدرة الذاتية لفلسطين حيث قدمت لفلسطين حوالي 400 فرصة دورة تدريبية كل سنة. كما شهدت العلاقات الصينية الفلسطينية عدة "أول مرة"، إذ لأول مرة بدأت التبادلات الثنائية في مجالات القضاء والدين والموارد البشرية، لأول مرة تم توقيع الاتفاقيات بين الجهات الرياضية والمؤسسات الفكرية ووسائل الإعلام، لأول مرة بدأ تعليم  اللغة الصينية في جامعتي القدس وبيرزيت، لأول مرة قدم الفريقان الصيني والفلسطيني سويا عرضا فنيا للجمهور الفلسطيني. لأول مرة قام رؤساء من أشهر الجامعات الفلسطينية بزيارة الصين، كما زار طلبة من المرحلة الثانوية الصين للمشاركة في مخيم صيفي. لأول مرة  وزع مكتبنا الجوائز للطلبة المتفوقين في امتحان الإنجاز، ونفذ مشروع انارة المنازل بقطاع غزة، ومشروع رقمنة التعليم للصداقة الصينية الفلسطينية، ومسابقة التصوير "الصين في عيوننا". قد أصبح كل هذا التعاون والمشاريع رمزا جديدا للصداقة الصينية الفلسطينية.

إن آفاق تطور العلاقات الصينية الفلسطينية واسعة حيث انعقد المؤتمر الوطني الـ19 للحزب الشيوعي الصيني بنجاح ودخل 1.3 مليار صيني تحت قيادة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بجوهرها الرفيق شي جينبينغ إلى العصر الجديد للاشتراكية ذات الخصائص الصينية ويكافح من أجل تحقيق الحلم الصيني للنهضة العظيمة للأمة الصينية. أشار الأمين العام شي جينبينغ إلى إن الحزب الشيوعي الصيني ليس فقط حزبا يسعى وراء سعادة الشعب الصيني، بل هو يكافح من أجل قضية تقدم البشرية. كما طرح مبادرة دفع بناء العلاقات الدولية على النمط الجديد وبناء وحدة المجتمع الدولي ذي المصير المشترك.

في ظل التغيرات الكبيرة للأوضاع الدولية والاقليمية، ما طرحه الرئيس شي جينبينغ يواكب تيار العصر المتقدم والمتنامي، وينطبق مع تطلعات دول العالم، حيث لقي صدى واسعا من المجتمع الدولي، وهذا يتيح فرصا جديدة لتطور العلاقات الصينية الفلسطينية في العصر الجديد. تصادف السنة الجارية الذكرى الـ30 لإعلان اقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، إن الجانب الصيني سيضافر الجهود مع الأصدقاء الفلسطينيين تحت ارشاد فكرة الرئيس شي جينبينغ عن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، من أجل متابعة تنفيذ التوافق بين رئيسي البلدين أثناء لقائهما في بكين. ويعمل بعضنا مع بعض على البحث عن سبيل وأسلوب جديدين لتعميق التعاون العملي وإثراء محتويات علاقات الصداقة والتعاون في إطار البناء المشترك  للحزام والطريق ومنتدى التعاون الصيني العربي، ما يبلور ثلاثين سنة قادمة أجمل للعلاقات الصينية الفلسطينية.

إن الموقف الصيني من القضية الفلسطينية تاريخي وواضح وثابت دون تغيير. ظل الجانب الصيني يدعم قضية الشعب الفلسطيني العادلة وحل الدولتين ويلتزم بدعم إقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة الكاملة على أساس حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. طرح الرئيس شي جينبينغ مبادرة ذات أربع نقاط للدفع بحل القضية الفلسطينية أثناء لقائه مع الرئيس محمود عباس في عام 2013، كما أكد الرئيس شي جينبينغ خلال كلمته المهمة التي ألقاها في مقر جامعة الدول العربية عام 2016 أنه "لا يجوز تهميش القضية الفلسطينية ناهيك عن وضعها في الزاوية المنسية. فإن القضية الفلسطينية قضية جذرية للسلام في الشرق الأوسط". كما بعث الرئيس شي جينبينغ برسائل تهنئة إلى الأمم المتحدة بمناسبة اليوم الدولي للتضامن مع فلسطين لسنوات عديدة متتالية، وطرح مرة أخرى "الآراء ذات النقاط الأربع" عندما قام الرئيس محمود عباس بزيارة الصين في العام الماضي، الأمر الذي يدل على الدعم القوي من أعلى مستوى قيادي في الصين للقضايا العادلة للشعب الفلسطيني. كما أكد وزير الخارجية السيد وانغ يي عدة مرات أن "القضية الفلسطينية هي جرح على ضمير الانسان". "عام 2017 هو الذكرى السبعون لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن تقسيم البلاد، ولا يزال حلم إقامة دولة فلسطين عالقا، فيجب على المجتمع الدولي أن يتأمل بعمق ويتخذ خطوات ملموسة". وأضاف أن "معالجة قضية وضع القدس يجب احترام التاريخ المتعدد والالتزام بالعدالة وتنفيذ التوافق الدولى وتحقيق التعايش السلمى". سيواصل الجانب الصيني  العمل مع المجتمع الدولي للقيام بدور أكثر نشاطا وبناء فى القضية الفلسطينية. وإني أتمنى لفلسطين أن تحقق حلم إقامة دولة مستقلة في يوم مبكر.

أشكر مرة أخرى أصدقائي الفلسطينيين من كافة الأوساط على الدعم لي ولزملائي وعنايتهم الخاصة لحياتي. وأتمنى  للصداقة الصينية الفلسطينية الخلود والازدهار وللشعب الصيني الفلسطيني السعادة والرفاهية.

--------------

ملاحظة: كتب سعادة السفير الصيني هذه المقالة لمناسبة انتهاء عمله في فلسطين.. وتعبيرا عن حبه للشعب الفلسطيني وتأكيدا لعمق العلاقات بين الشعبين والبلدين الصديقين.