عبد الناصر النجار - النجاح الإخباري - هل تذكرون سياسة «الخطوة خطوة»» إنها مصطلح استغلته حكومات الاحتلال وقياداته في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حين ادعت أن العرب وعلى رأسهم منظمة التحرير لا يرغبون بالسلام، وإنما في القضاء على دولة إسرائيل.. وبالتالي، فإن مطالب تحقيق السلام القائم على خطوة تلو أخرى تهدف بالأساس إلى تدمير إسرائيل والتخلص من الشعب اليهودي على حدّ ادعائهم.
واقع الحال أن اليمين الإسرائيلي والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة استخدموا هذه السياسة في خلق أمر واقع في الضفة الغربية، وخاصة مسلسل الاستيطان الذي بدأ ببؤر متناثرة لينتشر كالسرطان في جسد الضفة الغربية الأمر الذي حوّل الأخيرة إلى كانتونات فلسطينية مقطّعة الأوصال وشبه محاصرة. 
منذ اليوم الأول للاحتلال في حزيران 1967 كان هدف إسرائيل تهويد مدينة القدس، فزحف التهويد تحت مفهوم الخطوة خطوة.. البداية كانت في هدم حارة المغاربة بشكل كامل، والاستيلاء على حائط البراق، وتفريغ ساحة البراق من المظاهر العربية والفلسطينية، بعد ذلك كانت سياسة الاستيطان داخل أسوار البلدة القديمة.. والذي كان مدعوماً بالأساس من الحكومات الإسرائيلية ورأس المال اليهودي الصهيوني في الخارج.
انتشرت البؤر الاستيطانية التي استهدفت مداخل القدس الأساسية لاحقاً، بحيث إن الداخل من أي من أبواب البلدة القديمة يصطدم اليوم ببؤر استيطانية، ثم جاء بعد ذلك دور المسجد الأقصى، خاصة عندما بدأ مسلسل التقسيم الزماني والمكاني.. فسمح للمستوطنين والمتطرفين اليهود باقتحامه يومياً.. والبداية كانت بشكل فردي ثم مجموعات محدودة جداً لا تتعدّى أصابع اليد الواحدة وتحت مفهوم السياحة.. إلى أن أضحت الاقتحامات اليوم تتم بشكل منظم وبمشاركة مئات المستوطنين والمتطرفين وعلى رأسهم أعضاء كنيست وحتى وزراء في حكومة الاحتلال.
والحلقة الأخيرة من مسلسل التهويد تمثلت بإقامة عشرات المستوطنات لمحاصرة القدس، بحيث أصبحت الأحياء الفلسطينية مجرد غيتوهات منعزلة، تضم أبنية قديمة مهلهلة وسط اكتظاظ سكاني يجبر الكثير من العائلات على الهجرة باتجاه رام الله أو بيت لحم.
الخليل المدينة الثانية التي كانت سياسة التهويد فيها واضحة، وسار الاحتلال على ذات النهج السابق المطبق في القدس. 
في الخليل، بنيت أول مستوطنة على أراض فلسطينية صودرت في العام 1967 فيما كانت بداية الاستيطان الفعلية في العام 1968 على يد عرّاب الاسيتطان اليهودي الحاخام موشيه ليفنغر.
بعد مستوطنة «كريات أربع» جرى الاستيلاء على مدرسة الدبويا في البلدة القديمة، فقد احتل المستوطنون ما يقارب 3 منازل فقط. وبعد عملية «الدبويا» أو ما يطلق عليه المستوطنون «بيت هداسا» في الثاني من أيار عام 1980.. استولى المستوطنون على جميع المنازل المحيطة بالمنطقة.. علاوة على هدم عدد من المحال التجارية المقابلة لمبنى الدبويا.
في العام 1982 استولى المستوطنون على مدرسة أسامة بن المنقذ الملاصقة لمبنى بلدية الخليل القديم، لتصبح بؤرة استيطانية تحت مسمى «بيت رومانو»، وبالتالي أصبح هناك امتداد استيطاني بين الدبويا ومدرسة أسامة بن المنقذ، ثم جرى الاستيلاء بشكل كامل على محطة الباصات المركزية وأغلق شارع الشهداء بشكل كامل أمام حركة الفلسطينيين، وبالتالي فصلت المناطق الشرقية من الخليل عن المناطق الغربية، وقسمت الخليل إلى قسمين.
تواصلت سياسة الخطوة خطوة حيث تم الاستيلاء على منطقة الحسبة (السوق التجارية) بشكل كامل وأغلقت كثير من شوارع البلدة، علاوة على الاستيلاء على العديد من منازلها وبناء شقق استيطانية بعد هدم المنازل.
الخطوة الأخطر كانت في العام 1994 بعد مذبحة الحرم الإبراهيمي، عندما أقرت حكومة الاحتلال التقسيم المكاني والزماني للحرم الإبراهيمي بين الفلسطينيين والمستوطنين. وما زال هناك أكثر من موقع داخل الحرم الإبراهيمي لا يمكن للمصلين الفلسطينيين دخوله. فيما يسمح للمستوطنين باستخدام الحرم كاملاً في مناسباتهم الدينية.. ومنذ عدة سنوات كانت الصحافة الإسرائيلية تتحدث عن مخططات لربط مستوطنة «كريات أربع» والكتل الاستيطانية الأخرى المحيطة بالبلدة القديمة من خلال هدم المباني الفلسطينية وإزالتها من المنطقة لتهويد شامل وكامل للمنطقة الممتدة من مستوطنة «كريات أربع» إلى كامل البلدة القديمة ثم تل الرميدة.
القرار الأخير لسلطات الاحتلال بإنشاء مجلس محلي خاص بالمستوطنين وفصل المنطقة عن امتياز بلدية الخليل يؤكد أن مسلسل التهويد أصبح في قمته، وأن الإعلان عن التهويد الكامل للخليل القديمة مجرد وقت ليس إلاّ..
الخليل اليوم في عين العاصفة التهويدية.. والإرادة الفلسطينية لوقف هذا المسلسل تبدو أضعف من التوقعات سوى تصريحات هنا وهناك، وبيانات تصدر من جهات ومؤسسات ومنظمات ربما لا تجد من يقرؤها.