النجاح الإخباري - ما بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، عاشت الطبقة العليا بإنجلترا حياة البذخ على جميع الأصعدة، حيث توفرت لديها كل مقومات الرفاهية والرخاء. وعانى الأثرياء حينها من عادة سيئة حيث عمدوا إلى الإقبال على تناول كميات هائلة من السكر الذي كان يُستورد من المستعمرات البريطانية بجزر الكاريبي. ولذا، عانى أفراد الطبقة العليا بشكل دائم من مشاكل الأسنان، مما أجبرهم في معظم الوقت على زيارة أطباء الأسنان وخاصة المختصين في صناعة أطقم الأسنان.

وخلال تلك الفترة، اتجه أغلب أطباء الأسنان إلى صناعة أطقم الأسنان انطلاقا من العاج والأسنان البشرية السليمة، حيث يتم صناعة القالب من العاج قبل أن تضاف إليه الأسنان البشرية لتبلغ تكلفة الطقم الواحد في النهاية حوالي 100 جنيه. وبالنسبة لمكونات طقم الأسنان، يتم استيراد العاج انطلاقا من المستعمرات، أما الأسنان البشرية فيحصل عليها الأطباء إما عن طريق سارقي القبور أو من الفقراء الذين يقدمون على بيع أسنانهم مقابل بضعة جنيهات، وكانت حينها تقتلع أسنانهم دون تخدير. وإضافةً إلى كل ذلك، يتجه أطباء الأسنان أحيانا لشراء الأسنان من عند الجنود، فعقب نهاية المعارك يعمد الجنود غالباً إلى اقتلاع أسنان جنود العدو ورفاقهم الموتى لبيعها من أجل الحصول على مبلغ مالي آخر يضيفونه إلى أجورهم الهزيلة.

منذ ثمانينيات القرن الثامن عشر، شهدت تجارة الأسنان البشرية تراجعا قبل أن تنتعش مجددا بالتزامن مع بداية الحروب النابليونية بسبب ارتفاع أعداد القتلى. على إثر معركة واترلو (Battle of Waterloo) التي حددت مستقبل أوروبا، حققت تجارة الأسنان قفزة مذهلة تمكن خلالها أطباء الأسنان من كسب ثروات طائلة.

يوم الثامن عشر من شهر يونيو/حزيران سنة 1815، واجهت القوات الفرنسية بقيادة الإمبراطور نابليون بونابرت، الذي كان قد عاد من منفاه بجزيرة إلبا (Elba) في وقت سابق، عند منطقة واترلو ببلجيكا جيوش التحالف الذي تألف أساسا من القوات البريطانية بقيادة دوق ويلينغتون (Duke of Wellington) والقوات البروسية التي تزعمها الجنرال فون بلوشر (von Blücher). وقدّر المؤرخون عدد الجنود الفرنسيين أثناء المعركة بحوالي 90 ألف جندي بينما تجاوز عدد قوات الحلفاء 100 ألف عسكري.

وعقب نهاية معركة واترلو، تلقى الفرنسيون هزيمة قاسية أجبر على إثرها نابليون بونابرت على التنازل عن عرشه للمرة الثانية بعد نهاية ما عرف بـ"فترة المائة يوم". وشهدت هذه المعركة سقوط ما لا يقل 20 ألف قتيل من كلا الطرفين. ومع توقف إطلاق النار، لم يتردد الجنود البريطانيون إضافةً إلى السكان المحليين في التوجه نحو جثث القتلى من أجل انتزاع الأسنان بهدف بيعها لأطباء الأسنان.

وبعد حصولهم على الأسنان، يقدم الجنود والأهالي على تنظيمها وفق خاصياتها حيث توضع الأضراس على حدة، وتوضع الأنياب مع بعضها والقواطع في جهة أخرى لوحدها، ومن ثم تغلّى هذه الأسنان في الماء الساخن لإزالة الدماء وبقايا الطعام منها قبل بيعها إلى أطباء الأسنان. عقب معركة واترلو سنة 1815، حققت تجارة وصناعة أطقم الأسنان بلندن نموا سريعا، حيث تحولت أسنان الجنود القتلى خلال هذه المعركة نحو أفواه الأثرياء ليحقق أطباء الأسنان على إثر ذلك ثروات طائلة.