شبكة النجاح الإعلامية - النجاح الإخباري - في ظل ما أشيع حول إعادة تفعيل أوامر الحبس من مجلس القضاء بتاريخ 3/12/2024،، تؤكد الجهات الرسميّة أن الأمر ليس جديدًا بل يتعلق بإعادة فتح الأيقونة الإلكترونية التي تم تعليقها خلال فترة الطوارئ.
مجلس القضاء الأعلى: إعادة تنظيم الملفات
أكد الأمين العام لمجلس القضاء الأعلى القاضي محمد عياد العجلوني، في حديث حصري لـ"النجاح"، أنّه لا يوجد قرارات مستحدثة من مجلس القضاء الأعلى، وأن ما جرى هو تفعيل الأيقونة الإلكترونية لأوامر الحبس وهي خطوة إدارية لإعادة تنظيم الملفات التنفيذية، موضحًا أن المجلس لم يُصدر قرارات تتعارض مع القانون.
وأضاف أنَّ تفعيل الأيقونة الإلكترونية يأتي في سياق الحفاظ على السلم الأهلي، ومنع اللجوء إلى أساليب غير قانونية لتحصيل الحقوق.
وأوضح العجلوني أن الشائعات حول وجود 300 ألف قرار حبس غير صحيحة، مشيرًا إلى أن هذا الرقم يشمل مجموع القضايا التنفيذية المتراكمة والمتروكة والمدورة بمختلف مواضيعها، ومنها ما يتعلق بالنفقة، والحضانة، والحقوق العمالية، والتعويضات، وقرارات المحاكم، وغيرها. مؤكدًا على أن القاضي يأخذ بعين الاعتبار ظروف كل ملف، مع الحفاظ على حق المدين باللجوء إلى قاضي التنفيذ لتسوية وضعه، مشددًا على أن أوامر الحبس تصدر فقط عند استنفاد الوسائل القانونية الأخرى، وبعد جهود من قبل قضاة التنفيذ للتوصل إلى مصالحة بين الدائن والمدين.
وسائل التواصل وتأثيرها: بلبلة وانقسام
انتشار الشائعات والمعلومات المتضاربة عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول القرار أثار حالة من البلبلة والانقسام بين المواطنين. فمنهم من أيده باعتباره وسيلة لاستعادة الحقوق ومنع التهرب، ومنهم من عارضه خوفًا من آثاره السلبية على المدينين المتعثرين، الذين يعانون من أوضاع اقتصادية صعبة.
آراء المحامين
بين الالتزام المهني والواجب الإنساني
على صعيد المحامين، تنوعت وجهات النظر. حيث قال نقيب المحامين فادي عباس لـ"النجاح": "ما جرى لم يكن تعطيلًا لنص المادة التي تجيز طلب إصدار أمر حبس في حالات مقيدة وردت في قانون التنفيذ، بل جرى خلال فترة الطوارئ تعطيل خدمة طلب أمر الحبس من نظام الميزان المرتبط بهذه الطلبات". وأوضح أن إعادة تفعيل الخانة الإلكترونية جاء ضمن الإطار القانوني لأن أي جهة، بما فيها مجلس القضاء الأعلى، لا تملك تعطيل نص مادة قانونية إلا في حالات مقيدة مثل إعلان حالة الطوارئ.
وأضاف عباس أن نص المادة الوارد في قانون التنفيذ يجيز في حالات معينة إصدار أمر الحبس، وكان نافذًا طوال الوقت. وما حدث هو تعليق الإجراء عبر نظام "الميزان" خلال فترة الطوارئ، وليس إلغاء للنص القانوني.
وقال المحامي عمرو شواهنة لـ"النجاح" إنَّ "إعادة تفعيل أوامر الحبس إجراء قانوني يهدف إلى تحقيق العدالة، لكنه يتطلب مراعاة الظروف الاقتصادية للمدينين لضمان عدم استغلاله ضد الفئات الضعيفة".
وأكد شواهنة أن المحامي يعمل وفق القانون وبتوجيه من موكله، وأن المسؤولية الأساسية تقع على الجهات التنفيذية لضمان تطبيق القانون بشكل عادل.
بدوره المحامي عدي عمار لـ"النجاح" أن "المحامين في حالات كثيرة يمتنعون عن طلب أوامر الحبس إذا تيقنوا أن المدين يعاني من تعثر حقيقي"، مشيرًا إلى أن مهنة المحاماة تعتمد على تحقيق التوازن بين حقوق الموكلين والمبادئ الإنسانية، ولا يمكن للمحامي أن يكون خصمًا للطرف الآخر.
أما المحامي الدكتور أحمد الأشقر، فكتب على صفحته: "إيقاف أوامر الحبس لفترة طويلة أثر بشكل مباشر على قطاع المحامين الذين يعتمدون على قضايا التنفيذ كمصدر أساسي للدخل. ومع ذلك، فإن عددًا كبيرًا من المحامين يعلنون أنهم لن يقوموا بطلب الحبس لمن يعلمون أنه متعثر حقًا، حتى لو كلفهم ذلك عزلهم من قبل موكليهم".
هذا التنوع في الآراء بين المحامين يعكس التزامهم بمسؤولياتهم المهنية والإنسانية، ويسلط الضوء على دورهم في تحقيق العدالة، مع الحرص على حماية الفئات الأضعف في المجتمع. كما أوضح محامون آخرون أن إيقاف أوامر الحبس لفترة طويلة أثّر سلبًا على قطاع واسع منهم، حيث يعتمد عدد كبير منهم على قضايا التنفيذ كمصدر رئيس لدخلهم، إلا أنهم أكدوا التزامهم بعدم استغلال القانون ضد المتعثرين الحقيقيين.
تهديد السلم الأهلي
وأشار الأمين العام لمجلس القضاء الأعلى إلى أن تعطيل الأيقونة الإلكترونية خلال فترة الطوارئ كان لها تأثير سلبي على السلم الأهلي، حيث ظهرت ممارسات غير قانونية في المجتمع الفلسطيني لتحصيل الديون إذ لجأت بعض الأطراف إلى جهات غير قانونية لتحصيل حقوقها بعيدًا عن القضاء.
هذه الممارسات لم تهدد فقط السلم الأهلي، بل أثرت بشكل سلبي على المجتمع الفلسطيني، الذي يعاني أصلًا من ضغوط اقتصادية واجتماعية وسياسية معقدة. وكشفت الحاجة الماسة إلى إعادة تفعيل أدوات قانونية تحفظ الحقوق ضمن إطار منظم، اعتمادًا على تقنيات ومنصات إلكترونية حديثة لتسهيل الإجراءات، بما في ذلك تسريع البت في القضايا التنفيذية. مؤكدًا أنَّ عددًا كبيرًا من الملفات التي كانت عالقة قد تم إغلاقها عبر التسويات القانونية بعد إعادة تفعيل الأيقونة الإلكترونية.
رؤية اقتصادية
بدورهم، أكد بعض التجار والدائنين أن الإعلان عن إعادة تفعيل أوامر الحبس أدى إلى زيادة نسبة السداد، مما أحدث انتعاشًا اقتصاديًا في الأسواق. واعتبروا أن القرار يعيد التوازن إلى السوق التجاري، ويحد من استغلال البعض لفترة توقف الأوامر لتهربهم من السداد.
عبده إدريس، رئيس اتحاد الغرف الصناعية والتجارية والزراعية، قال لـ"النجاح": "قرار تفعيل أوامر الحبس أسهم في التزام الكثيرين ولجوئهم إلى القانون، ما أحدث حالة من الاستقرار والتواصل بين الدائنين والمدينين، ووضوحًا في حل الخصومات".
وأضاف إدريس أن وقف تنفيذ أوامر الحبس في فترة الطوارئ أحدث خللًا في المنظومة التجارية والاقتصادية، إلا أن إحالة القضايا للقضاء، حيث يتم التعامل مع كل حالة على حدة، يعزز الثقة في القضاء الفلسطيني ويوفر حلولًا عادلة، بما في ذلك إمكانية التقسيط وحل الخلافات.
القضاء والحفاظ على العدالة
في ظل التحديات، شدد مجلس القضاء الأعلى على أن الهدف من إعادة تفعيل الأيقونة الإلكترونية هو حماية حقوق المواطنين، ومراكزهم القانونية ومواعيد التقادم مع ضمان إجراءات عادلة تراعي ظروفهم. وأكد العجلوني أن القاضي يتمتع بسلطة تقديرية كاملة في التعامل مع كل حالة على حدة، بما يحقق التوازن بين حقوق الدائن وظروف المدين.
إعادة تفعيل أوامر الحبس خطوة تحمل أبعادًا قانونية واجتماعية واقتصادية معقدة. وبينما تحاول الجهات القضائية ضبط الأمور ضمن إطار القانون، تبقى الحلول التوافقية والتسويات الودية السبيل الأمثل للحفاظ على السلم الأهلي وتعزيز العدالة في مجتمع يعاني من تحديات متعددة.