منال الزعبي - النجاح الإخباري - صدمة صعبة على قلب أم عاشتها السيدة عائشة، التي شاء القدر أن تعيش تجربة مرَّة قَلبها الدعاء والصبر لرحلة نجاح وأمل يولد كل يوم.

تروي عائشة قصتها:  "سنتان ونصف ولميس وردة تتفتح أمام عيني، ملامح طفلة ذكية، تفاعل وتواصل متقدم، خفة في الحركة ومشي مبكر، ثم ودون سابق إنذار ينتابها ذبول مفاجئ، تحول غريب أذهلني وأذهل الأهل، وكأن ذاكرة هذه الطفلة اختفت، لا تميز من وما حولها، لا نوم ولا جوع، حركة مفرطة دون وعي أو إدراك".

تحوّل سلب الأم راحة بالها لتبدأ رحلة بحث عن السبب الطبي، والعلاج، وصولا لتشخيص أخير "بنتك عندها توحد"، صدمة لم تستوعبها الأم التي لا تفهم ما هو التوحد.

تكمل عائشة القصة: "حملت طفلتي وسجلتها في مركز يستقبل أطفال التوحد، جلسات متواصلة لثلاث سنوات ونصف والطفلة تبكي في الذهاب والإياب، أخصائية قطعت الأمل وقالت لي ابقيها في البيت أفضل لك ولها".

اكتئاب وخيبة أمل أصابت قلب أم ينفطر على طفلة لا تملك لها شيئًا، سنتان ونصف والحال يسوء ما دفع الأم والأب لرحلة بحث من جديد عن مكان يعيد الحياة لهذه الطفلة.

معهد الطفل الفلسطيني التابع لجامعة النجاح الوطنية كان نهاية المطاف، تم تشخيص حالة الطفلة، وبدأت برنامجًا علاجيًّا يوميًّا.

تقول الأم: "بدأت البسمة تعود من جديد ولميس تتفتح رويدًا رويدًا، ثلاثة شهور أبدت الطفلة تحسنًّا وتفاعلًا مبشّرا".

 استمر العلاج اليومي سنتين، ترافقها الأم وتنتظرها بالساعات، تقضيها في القراءة عن التوحد وعلاجه، وتجمع المعلومات التي قد تفيدها في إعادة الروح لطفلتها.

إدارة المعهد أولت الطفلة اهتمامًا بالغًا، واحتوت أمها من حيث وضعها النَّفسي، إيمانا بتكامل المسؤولية بين المركز والأهل لصالح طفل التوحد، قدّمت كل ما في وسعها من برامج علاجية للأطفال، وتفريغ نفسي للأمهات، احتواء ربَتَ على قلب أم لميس، التي تفانت في دعم ابنتها ومواصلة مرافقتها، وهنا بدأت القصة.

تابعت أم لميس بتنهيدة عميقة: "في إحدى جلسات التفريغ طُلب من الأمهات رسم لوحات تعبيرية من باب التفريغ النفسي، قدَّمت لوحتي فكانت الصدمة بمستوى متقدم بالرسم لم أكن أدركه بداخلي رغم علمي المسبق بوجود بوادر موهبة من أيام المدرسة".

بيننا حاجز ..سأكسره حتى لو جرّحت يدي

انبهرت المشرفات بقدرتها على إيصال رسائل موجعة تصف حرنها وألمها على طفلتها، ليتم عرض اللوحة على مدير المركز د.علي الشعار، والذي قدم لها كلّ الدَّعم النفسي والمعنوي، وحتى توفير اللوحات والألوان؛ لتتفجر هذه الموهبة الصامتة في داخلها.

تطوَّرت الموهبة، وسمح للأم بالانخراط في محاضرات تعليميَّة في كلية الفنون في جامعة النجاح، حتى صقلت موهبتها ورممَّت نفسيتها.

حين يولد الأمل

رعاية فائقة يوليها معهد الطفل الفلسطيني لأطفال التوحد حتى سن عشر سنوات، لكن حين تجاوزت لميس هذه المرحلة بدأت دقات قلب الأم تتسارع، وبدأ قلق سرعان ما تحول لفرح.

حين تتحول المحنة إلى منحة، تدب الحياة بالروح من جديد، وهو ما حصل حين أفتُتِح مركز عبد الرحمن النعنيش والذي أصبح حاضنة لهذه الفئة من الأطفال من عمر 10 -16 عامًا، أقامه السيد فيصل النعنيش والد الطفل عبد الرحمن النعنيش الذي جاوز العشر سنوات أيضًا ليكون ملجأه ورفاقه من ذات الفئة في مرحلية تالية لمعهد الطفولة بشكل متكامل.

التحقت لميس بالمركز الذي يركز على سلوكيات الأطفال في هذه المرحلة المعقدة للأطفال العاديين والأكثر تعقيدًا لأطفال التوحد.

مسؤولة المركز منال النعنيش بدورها قالت: "هذا المركز يؤهل الأطفال للانخراط بالمجتمع على الصعيدين الاجتماعي والمهني، من خلال تدريبات تبني الجانب التوعوي والإدراكي لديهم، من حيث الحفاظ على خصوصيتهم، وحماية أنفسهم، والتعامل مع الكبار، والقدرة على التعبير عن احتياجاتهم والوصول إليها، ثم تنمية المواهب الكامنة في شخصياتهم على جميع الأصعدة رسم تطريز خياطة تصميم، موسيقى، زراعة، نجارة ..

كوفأت أم لميس التي اختيرت أن تكون متطوعة في المركز؛ لتقدم خبرتها في الرسم، وأمومتها في التعامل مع هذه الفئة من أقران طفلتها لميس فتفانت في تقديم كل ما لديها.

لميس اليوم تحسنت بنسبة كبيرة، تتمنى الأم أن تصل طفلتها لمرحلة الاعتماد على الذات، بقولها "بدي تكون في مستوى يمكنها من العيش بسلام إذا أبعدني القدر عنها" .

على صعيد الرسم، تتمنى السيدة أن يكون لديها مشروعها الخاص الذي يوفر لها عيشًا كريمًا في ظل ظروف مادية صعبة، حيث إنها أم لخمسة أطفال يعاني ثلاثة منهم من حالات نفسية صعبة إحداها حالة لميس.

إمرح فلا ألم يدوم
تأمل ففي داخلك عالم جميل
فلسطين أنا وأنت كلانا حزين
اسمح للشمس أن تشرق داخل روحك
الحياة مستمرة لا تتوقف 

 

تفتّح كزهرة ربيعية

 

احتضن وجعك للتصالح معه 

كن مرآة روحك
تدفق جمالا وابتهج
روحك بذرة إرعاها لتثمر
الطريق طويل.. المقاعد فارغة لكنك تستطيع
بعد كل غروب شروق يحي النفوس
فيك كل الجمال فقط إصغِ