نابلس - منال الزعبي - النجاح الإخباري - ليث النيص حكاية تظهر القوة و الإرادة، وقدرة الإنسان الكامنة القادرة على تحطيم المعيقات.

شاءت الأقدار ألا يرى ليث النور إلا بقلبه منذ الولادة، في محافظة قلقيلية، لأسرة محبّة مؤمنة بقضاء الله وقدره ولد ليث الطفل الذي تميّز بالهدوء منذ نعومة أظفاره، وكأنّه يتأمل العالم بصمت داخلي، لم تكن رحلة حياته سهلة إلا أنّه استطاع بالمثابرة والتحدي والإصرار بلوغ الهدف بل والتميّز الذي جعله طالبًا نابغة، وشاعرًا طلقًا، وإنسانًا مثقفًا.

أحب اللغة العربية فالتحق بجامعة النجاح الوطنية، وهو اليوم على أبواب التخرج بزمن قياسي حيث هو طالب في قسم اللغة العربية وآدابها في السنة الثالثة، وسيتخرج نهاية هذا الفصل.

عن سبب اختياره للغة العربية قال ليث لـ "النجاح: :أهوى الأدب العربي وأعشق الشعر، فكان ذلك بذرة تعرفي إلى اللغة وتعلقي بها، ولإدراكي التام، أنَّ اللغة وعاء ثقافتنا، وهويتنا، وموروثنا التليد، سأعطيها ما ملكت يدي، وأبذل في سبيلها سني حياتي".

سال الشعر على لسان ليث فهو كما يعرفه : "الشعر..غذاء للروح، وفسحة تتنزه بها النفس؛ لتسبح بأفضيتها، وتجول بربوعها، وتصوغ ما يعتريها من آمال ومواجع وأحلام ولواعج".

شارك بأكثر من ندوة أدبية، وأمسية شعرية، داخل الجامعة وخارجها، على مستوى مدينتي نابلس وقلقيلية وغيرهما، وحصد المرتبة الثانية على مستوى جامعات الوطن في المناظرة الشعرية التي أقيمت عام 2019، والمرتبة الأولى في مسابقة القصة القصيرة على مستوى جامعات الوطن التي أشرفت عليها وزارة التعليم العالي سنة 2021.

وعلل ليث تفوّقه على المبصرين بقوله: "الإيمان مفتاح كلّ شيء، وسرّ تخطي المصاعب، واجتياز العقبات مهما كثرت، آمنت بنفسي، وبقدراتي، وبأن الله فضلني واختارني ليبتلي صبري وعزمي، فكنت على قدر ذلك الابتلاء.

وعن السند والدعم أشاد ليث بأهله وأصدقائه، إضافة لقلب متوقد همّةً وعزمًا، يعشق التحديات وخوضها، ورغبةً جامحةً في إثبات النفس وإبرازها رغم الصعوبات والمعيقات.

وأضاف بكلّ فخر: "كلّ نجاح حققته ما كان سوى خطوة ممهدة لتحقيق نجاح آخر؛ آثرت أن أكون عائقًا يعيق الإعاقة وليس العكس، لم أدعها تؤثر على عقليتي أو تفكيري أو إيماني، وعملت على أن أستغلها إيجابًا لأمضي قدمًا في الحياة، وألّا أكون ضحيةً من ضحاياها.

تمكّن ليث من الدراسة عبر نظام "برايل" الخاص بالمكفوفين، حتى أصبح قادرًا على قراءة كتب المنهاج المدرسي والجامعي، إضافةً إلى وسائل أخرى، كاستعمال الأجهزة التكنولوجية كالحاسوب والهاتف، التي تكون مزوّدةً ببرامج ناطقة، يسهل استخدامها والتعامل معها من قبل المكفوفين.

عشق القراءة والمطالعة، خاصة موضوع التراث العربي القديم شعرًا ونثرًا، والروايات الأدبية، من الأدب الروسي والعربي، وبعض كتب الفلسفة وعلم النفس، وكل ما تصله يده من كتب.

وقال ليث: "العربية أسهمت إيجابًا في صقل تفكيري، والرقي بهمتي، قوّمت لساني وهذّبت عقلي، وعرّفتني قوة جذورنا، وفرادة أصولنا، وفنون آدابنا، فأوقدت بقلبي الطموح حتى بتُّ أنظر للمستقبل بعين حالمة، وقلب شغوف.

ولخّص ليث أهميّة مرحلة الشباب بقوله: "أسعد حينما أرى طاقات الشباب ومواهبهم وجهودهم، تنصرف نحو ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وأن يستغلوا شبابهم وإبداعاتهم فيما يعود عليهم وعلى مجتمعاتهم بوافر الجدوى، وجزيل النفع. وأن يُنظَر إليهم بعين التقدير والاحترام، وأن تُوّظَف جهودهم توظيفًا لائقًا بطاقاتهم وإمكانياتهم، وأَلّا يُتجاهلوا حتى لا تخسر الأمة جهودهم ونتاجهم. وأشد ما يزعجني نقيض ذلك تمامًا، من تغاضٍ وتجاهل لهذه الطاقات، وكذلك واقع اللغة العربية الذي يسير بانحراف شديد ناجم عن لا مبالاة أبنائها، وعدم تقديرهم لغتهم،والاستعاضة عنها بالبدائل.

 

أما عن التعليم الإلكتروني فيرى ليث أنَّه جهد المقل ليس إلّا، فقليل دائم خير من كثير منقطع، كما أنّه ليس الوسيلة الأسمى؛ نظرًا لعدم جاهزية البنى التحتية في بلادنا، وعدم تهيئة الأوضاع العامة بالمجمل لهذا النظام. لكن رغم ذلك كله، تبقى الوسيلة الوحيدة، فلا بديل آخر، لذا فهو قد سد الغرض وأدى المطلوب، وإن لم يكن على أقصى درجة ممكنة من الكفاءة.

ووجه رسالة لهذا الجيل وللمتعلمين وللمحبطين من اختبارات الحياة، مفادها:

"الشباب قوام المجتمع وعصب الحياة، وعليهم الإدراك التام أنَّ الحياة إن لم تكن محفوفةً بالمصاعب، فلا يجدر بها أن تُعاش، ولا راحة تأتي إِلّا إذا كانت مسبوقةً بالتعب والعناء، وإِلّا أين لذاذة الوصول؟، ومتعة معانقة الأمجاد؟، فإن لم تكن الطريق المفضية إليه شاقةً فلا طعم لنيل المعالي وريادتها.

ليث الكفيف الذي يخفي في أعماقه ليثًا حقيقيًّا يطمح أن يصل قمم المعرفة ويغوص في كل بحور العربية وصولًا للقمة، يعمل اليوم بمجال التدقيق اللغوي، وسيطلق قريبًا ديوانه الأول، كما أنّه عنصر فاعل في ميدان رعاية ذوي الإعاقة البصرية، ودمجهم بالمجتمع.