سالي ثابت - النجاح الإخباري - أحجار متصدعة وقديمة، تتراكم فوق بعضها البعض، بصورة بائسة، مكوّنة أشباه منازل متوشحة بالقماش المهترئ و النايلون الممزق الذي لا يقي برد الشتاء، و لا حر الصيف، تفصلها طرقات رملية ضيقة، وتنعدم فيها أبسط مقومات الحياة الإنسانية.

بوابات هذا المخيم المثقل بالهموم والأوجاع لتستر قاطنيها هي ألواح من الصفيح "الزينكو".

تختفي في هذه المنطقة البائسة كلُّ مظاهر الحياة الطبيعية، لتهيمن صور الفقر والبؤس، فأينما تلقي بصرك تشاهد الحزن والقهر.

والمخيم ملغوم بمكب للنفايات يحاصره ويسجنه من جميع الجهات من ناحية، ومن الأخرى مقبرة للأموات، فأينما تذهب يستقبلك الحرمان واليأس وانعدام الأمل.

هنا يطهى الطعام على نار وقودها النفايات، لا كهرباء ولا مياه صالحة للشرب ولا أي وسيلة من وسائل الحياة الكريمةفي البقعة المنكوبة.

منطقة نهر البارد الواقعة في منطقة البطن السمين غرب خانيونس جنوب قطاع غزة، و التي لا تبعد سوى كيلو متر واحد عن الحي النمساوي، في مفارقة عجيبة بين حي راقي نظيف، ومنطقة عشوائية، معدمة تأوي أكثر من (200) أسرة فقيرة مشردة معذبة، تتصدى شبح الفقر بأجساد منهكة من الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى تحت وطأة الفقر والإعياء والتهميش.

مياه الامطار تجتاح المخيم فتحيله مستنقع قاذورات

"أم لؤي حنيدق " إحدى قاطنات هذه البقعة المدمرة، والتي تعيش حياة صعبة، يملؤها الأسى، والقهر، هي أم لتسعة أبناء ذكور وإناث بالإضافة لزوج لا يقوى على الحراك فهو يعاني من شلل بذراعه جعله طريح الفراش.

تؤكِّد لـ"النجاح الإخباري" أنَّ منزلها معرَّض للانهيار بأيَّة لحظة، فهو لا يصلح لأن يكون "قن للدجاج" كما وصفته.

مشيرة إلى المعاناة الحاضرة في جميع الفصول والمواسم، إلا أنَّ فصل الشتاء هو فصل تفاقم المشكلات، مكملة حديثها وهي تنظر بأسى لمعالم منزلها المكون من الصفيح القديم والقماش الممزق وتقول: "إنَّ المياه تنهمر داخل منازلهم المهترئة فتغرقها، لتنبعث الروائح الكريهة، من خلال مكب النفايات، الذي يحيط بالمنطقة، لتصبح في المحصلة بيئة خصبة، لانتشار الأمراض والحشرات الضارة، والقوارض والكلاب الضالة المتوحشة، جاعلة المكان غير صالح للحياة الأدمية.

ولا يملك سكان المكان إلا الحطب كوسيلة للتدفئة إن وُجد لصدّ البرد عن الأطفال وأجسادهم النحيلة، مؤكدة بأنَّهم يفتقدون إلى البنية التحتية، ووسائل العيش كالوقود و الغاز وحتى الرعاية الصحية، مما جعلهم يعتمدون على وسائل بدائية، كالحطب في الطهي والتدفئة.

وتضيف حنيدق: "الكثير من فتيات المنطقة يتعرضن للتحرش من قبل الصبية الذين يتعاطون المخدرات, أثناء ذهابهن للمدرسة عن طريق المقبرة الأثرية في المنطق، وهذا بحد ذاته أمر مقلق ومرعب لها ولجميع نساء المخيم .

وتضيف أنَّها مريضة وتعاني من أزمة صدرية نتيجة حرق النفايات، وانبعاث الروائح القاتلة المنتشرة بالمنطقة من ثمَّ استنشاقها من قبل ساكنين المنطقة هذا بدوره أثّر تأثيرًا سلبيًّا على صحتها.

بقايا حياه يسحقها الفقر

أبوعبد الله أبو النمر أحد سكان منطقة نهر البارد هو أب لأسرة تتكون من 8 أفراد يقول: "أعمل ليل نهار على عربة يجرها حصانليس ملكي، يحتاج طعامًا وشرابًا كأبنائي المعذبين في هذه الحياة.

مشيرًا إلى أنَّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة أجبرته على السكن في هذه المنطقة، فهو لا يملك ثمن الحليب لأطفاله الرضع؛ ليكمل بصوت واهن يملؤه الشجن والذل: "نحن منسيون ونعيش تحت الصفر، الفقر والجوع والمرض ينخر أجسادنا، ولا أحد من المسؤولين يلتفت إلينا أو يهتم بمأساتنا"، مشيراً إلى أنَّ الشباب عاطل عن العمل والأزواج لا يستطيعون توفير لقمة العيش لأولادهم والكثير من الأسر تطلب مساعدة الجمعيات الخيرية،دون جدوى".

ويضيف أبو النمر: "في كلِّ شتاء نصبح وكأنَّنا في العراء، تحت الأمطار وفي مهب الرياح، نظرًا لعدم صلاحية المنزل للعيش في ذلك الحي المنكوب". يهددنا البرد ونخشى انهيار الأسقف والجدران".

ووصف أبو النمر حياة العائلات في "نهر البارد" بالكارثية والخطيرة، مشيرًا إلى أنَّهم يعيشون تلك الظروف منذ قرابة (10) أعوام، دون أن يلتفت اليهم أحد من المسؤولين أو أصحاب الضمائر الحيّة.

يُشار إلى أنَّ سبب تسمية المكان بهذا الاسم يرجع إلى البرودة الشديدة، إضافة لاعتباره موطنًا للبؤس، والفقر، والتشرد والمرض، وهو الحي الأفقر في القطاع، لما يشهده من فقدان الاحتياجات الإنسانية،الأساسية، والبنية التحتية التي أثّرت سلبًا على حياة المواطنين، وأدَّت لانتشار الأمراض، لا سيما مع تدني درجات الحرارة، وعدم توفر مقومات الغذاء، والتدفئة، وأبسط صور الحياة.