هبة أبو غضيب - النجاح الإخباري - أثارت مقابلة رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار التي أجرتها فرانشيسكا بوري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" و"لا فيغارو" الفرنسية، جدلا واسعا، وتزاحمت التساؤلات التي استهجن من خلالها البعض موافقته على إجراء المقابلة في الوقت الذي كانت قد أقرت فيه الحركة منع التعامل مع الإعلام الإسرائيلي.

فيما عقب مكتب السنوار على المقابلة مؤكدا أن الصحفية تقدمت بطلب للقاء السنوار بطلب رسمي لصالح صحيفتين (ايطالية وأخرى بريطانية)، وعلى هذا الأساس جرى اللقاء.

وأوضح أن تحريات الإعلام الغربي في حركة حماس أثبتت ان الصحفية ليست يهودية او اسرائيلية وليس لها سابق عمل مع الصحافة الاسرائيلية إضافة إلى أنها لم تكن مقابلة مباشرة مع الصحفية المذكورة، بل أرسلت الأسئلة وتم الاجابة عليها، فيما التقطت صورة لصالح اللقاء فقط.

وقال :"للأسف الصحفية لم تحترم مهنتها وعلى ما يبدو فقد باعت اللقاء لصحيفة يديعوت احرونوت".

ولفت مكتب السنوار إلى أنه يحتفظ بحقه في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق هذه الصحفية ومقاضاتها.

ولكن لم يتوقف الجدل حول المقابلة مع الصحيفة، بل في كل ما جاء من تصريحات أدلى بها السنوار، والتي اتجهت نحو تغيير رؤية حماس بتنفيذ عملية سلام ولكن بشروطها، وفقا لمحللين سياسيين.

فما سبب هذا التغيير في استراتيجيات الحركة؟ وما مؤشرات ذلك؟ وهل تعرضت الحركة لضغوط خارجية؟ ولماذا أعلنت عن رؤيتها في هذا التوقيت بالذات؟ وهل ستتم صفقة تبادل الأسرى مقابل فك الحصار؟

وقال السنوار في المقابلة التي أجريت في قطاع غزة إن "هناك فرصة حقيقية للتغيير"، وإن "الحرب ليست من مصلحة أحد، ولكن الانفجار بات لا مرد له"، كما يشدد على انه بدون إنهاء الحصار لا يوجد وقف إطلاق نار.

يشار إلى أن السنوار كان قد أمضى 22 عاما في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وأطلق سراحه في صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس عام 2011.

ونشرت الصحيفة أن السنوار رد على سؤال موافقته على إجراء المقابلة الآن، ولصحيفة إسرائيلية، أجاب أنه يرى الآن فرصة حقيقية للتغيير.

وأضاف أن "حربا جديدة ليست من مصلحة أحد، وبالتأكيد ليست من مصلحتنا"، متسائلا "من لديه الرغبة في مواجهة دولة نووية بمقلاع.. الحرب لن تحقق شيئا".

وفي إجابته على السؤال بشأن وقف إطلاق النار، قال إن ذلك يعني "التهدئة التامة مقابل وقف الحصار". وعندما كررت السؤال "الهدوء مقابل الهدوء؟"، أجاب أن "الهدوء مقابل الهدوء ووقف الحصار".

وفي إجابته على السؤال حول ماذا سيحصل في حل فشل وقف إطلاق النار، قال السنوار إن الاتفاق ليس قائما اليوم، وإن حركة حماس وكل الفصائل الفلسطينية على استعداد للتوقيع عليه.

وأضاف "سندافع عن أنفسنا في حال تعرضنا للهجوم.. وستكون هناك حرب أخرى، وعندها، وبعد عام، ستأتين إلى هنا، وسأقول لك مرة أخرى إن الحرب لن تحقق شيئا".

سبب التغيير 

وعقب الكاتب والمحلل السياسي المقرب من حماس إبراهيم المدهون على المقابلة مشككا بحقيقة ما ورد فيها، قائلا "قد تكون تعرضت هذه المقابلة لعملية تزييف".

وأوضح المدهون في تحليل خاص لـ"النجاح الإخباري" أن حماس تتطور، كونها مسؤولة في قطاع غزة عن 2 مليون فلسطيني، مشيرا إلى أن لديها رغبة في تخفيف الحصار، إضافة لإدراكها أن لإسرائيل قدرة فائقة على التدمير والتشريد والقتل.

وأضاف أن وجود بيئة اقليمية ودولية مساعدة للاحتلال، وخذلان العالم للشعب الفلسطيني، دفع حماس إلى أن تقول إنها تفضل الهدوء على الدخول في مواجهة عسكرية.

ولفت إلى أن وجهة نظر حماس حول السلام مختلفه في نواحي عدة، قائلا "حماس ترفض الإعتراف في إسرائيل، وترفض تسليم السلاح، وترفض الخضوع لاتفاقيات أمنية مع الاحتلال، وفي الوقت ذاته هي تريد السلام لشعبها مقابل الهدوء الذي يمكن أن تمنحه للاحتلال لمدة معينة".

السنوار وجه رسالة

وتعقيبا على ما قاله السنوار إن "من لديه الرغبة في مواجهة دولة نووية بمقلاع.. الحرب لن تحقق شيئا". رأى المدهون أن السنوار تحدث عن هدنة مشروطة، وواقعية سياسية أكثر منها شعاراتية، وأراد توصيل رسالة مضمونها أن الشعب الفلسطيني غير راغب بمواجهة عسكرية، بل يريد أن يجنبه ويلات الحرب في هذه المرحلة.

وحول الإختلاف الفكري بين السنوار والحركة، أكد المدهون أن السنوار شخصية قيادية، وذو تأثير في صنع القرار، ولكنه ليس وحده وإنما الدور تكاملي مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة إسماعيل هنية، ولن يتخذ السنوار أي قرار دون رئيس الحركة.

وأكد المدهون كونه مقرب من حركة حماس وجود توافق كبير بين السنوار وهنية، وتشاور دائم وتنسيق في جميع القرارت والتوجهات.

حماس تفصل بين مسارين

ووجهت الصحيفة سؤالا للسنوار حول مدى أهمية بند تبادل الأسرى في أي اتفاق لوقف إطلاق النار، ورد السنوار بالقول إن "ذلك مسألة أخلاقية وليست سياسية"، وإنه يرى في ذلك واجبا، وسيبذل كل جهوده للإفراج عمن لا يزالون في السجون.

وتحتجز حماس عددا من جنود الاحتلال، وهم أفراهام مانغيستو وهشام السيد، وهدار غولدين وأورون شاؤول، وترفض الحركة الأدلاء باي معلومات حول مصيرهم دون مقابل.

وحول ذلك، استبعد المدهون أن تجري الصفقة مع إسرائيل مقابل فك الحصار دون تبادل أسرى، مؤكدا أنها ترتبط بشكل مباشر في الأسرى المعتقلين، ولا يمكن أن تسلم حماس الأسرى الإسرائيليين لديها دون خروج قيادات العمل الوطني من السجون.

وأوضح أن حماس تفصل بين مسار الحصار والتهدئة ومسار صفقة تبادل الأسرى، وترفض خلطها بعضها ببعض.

ورأى أنه من الصعب إتمام صفقة تبادل للأسرى، في ظل هروب الاحتلال من دفع استحقاقات ثمن أي عملية صفقة تبادل.

واستبعد أن تكون حماس تعرضت لضغوط خارجية، مشيرا إلى أن ما حدث هو تطوير في رؤية الحركة قائلا "انتقلت من حركة مقاومة لحركة حكم ومقاومة بحيث لا تكون بعيدة عن العمل السياسي".

وأضاف المدهون أن الولايات المتحدة الامريكية قد تفكر في فتح قنوات مع حركة حماس.

قيود تواجه حماس

بدوره رأى الكاتب والمحلل السياسي أسامة عثمان أن حركة حماس بحكم مسؤوليتها عن قطاع غزة والحصار المحاطة به منذ سنوات، أصبح لديها رؤية للتخلص من هذا المأزق.

وأكد عثمان في تحليل خاص لـ"النجاح الإخباري" أن القيود التي تواجه حماس الآن أمام العالم، اعتمادها نقاط حمراء وثوابت بشأن رفضها الإعتراف بإسرائيل، وتوقيع معاهدات طويلة الأمد مع إسرائيل.

وأضاف أن لحماس طروحات سابقة، من بينها لعضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق قال فيه "لسنا ضد مبدأ السلام"، إضافة لتصريح القيادي في حركة حماس خالد مشعل حول السلام.

ولفت إلى أن لحماس محاولات منذ زمن للتوصل إلى صيغة مع إسرائيل دون اعترافهم الصريح بها، وقد تتغاضى إسرائيل عن مسألة الإعتراف لتتجاوز الصراع مع قطاع غزة، خاصة وأن إسرائيل لا تزال قوة احتلال تسيطر على قطاع غزة أمام العالم والقانون الدولي.

وأكد أن الجهود للتوصل إلى هدنة لا تزال قائمة داخل إسرائيل.

حماس وجهت دعوة

وبين أن حماس وجهت من خلال المقابلة دعوة لإبداء مرونة في الخطاب، وعدم وجود نية للتصعيد أكثر، وحاجتها لتهدئة حتى لو لم يكن هناك اتفاقية سلام رسمية خاصة وأن حماس ليست في موضع يؤهلها لعقد اتفاقية سلام.

وتوقع المحلل السياسي أن تكون حماس قد تعرضت لضغوط خارجية من أجل تغيير استراتيجياتها، إضافة إلى أن حماس لا تستطيع الخوض في حرب جديدة الآن بعد الحصار الطويل عليها.

وحول صفقة تبادل الأسرى لفت إلى أن وجود اختلاف في الآراء داخل الحكومة الإسرائيلية بشأن ذلك، فغالبية قادة الاحتلال يرجحون خيار دمج مساري التهدئة، وصفقة تبادل الأسرى، كونها ورقة ضغط لتخفيض الثمن الذي ستدفعه في صفقة التبادل.

وأضاف أن إسرائيل تحاول التوصل لصفقة شاملة مع حماس.

واستهجن محللون إسرائيليون نشر المقابلة مع السنوار الذي يعد في إسرائيل رئيس حركة "إرهابية" على حد وصفهم، فيما كتب آخرون أن نشر أقواله مهم لأن منع الحرب والتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع من مصلحة إسرائيل، وأكدت الصحيفة أن المقابلة سيتم نشرها بالكامل يوم غد، الجمعة.

يذكر أن حماس كانت قد منعت وحظرت عمل وسائل الإعلام الإسرائيلية في قطاع غزة، وأقرت عدم التعامل معها من كافة الإعلاميين والوسائل والمؤسسات الإعلامية.