وفاء ناهل - النجاح الإخباري - منذ بداية العام الجاري وحتى اليوم اثنتان وعشرون جريمة،  كان آخرها مقتل شاب وامرأة في قرية رابا بمحافظة جنين يوم أمس، ليفصل بينها وبين جريمة القتل التي حدثت في قرية يعبد ما يقارب الاسبوع.

هذا الرقم الذي أكد الخبراء والمختصون انه ليس بالبسيط،  جمع مسؤولين وحقوقيين يوم أمس، لبحث أسباب هذا الارتفاع الملحوظ خلال العام الجاري، بنسبة (9.5%) مقارنة مع العام الماضي(2017).

نسبة الجريمة ارتفعت(%9.5)

حيث أكد مساعد مدير عام الشرطة للبحث الجنائي العميد محمد تيّم، ان اسباب ارتفاع مستوى الجريمة كثيرة لا تحصر بسبب واحد، فالجريمة ظاهرة موجودة بكل المجتمعات، ولكن تختلف من مجتمع لاخر حسب الوضع الاقتصادي والثقافي والعادات والتقاليد.

وتابع في حديثه لـ"النجاح الاخباري": لكن المجتمع الفلسطيني ما زال تحت الاحتلال،  ونلاحظ انه السبب الرئيس لارتفاع نسبة الجرائم، لنظراً لتقسيم المناطق لـ (أ وب وج) حيث ان الشرطة لا تستطيع ان تصل بسهولة لبعض المواقع التي يكون فيها معدل الجريمة أكبر، لتحقيق العدالة الاجتماعية، اضافة للاوضاع الاقتصادية والتضييقات التي سببها الاحتلال و تؤدي لارتفاع الجريمة".

وأضاف تيم:"المجتمع الفلسطيني مازال عشائريًّا قبليًّا خاصة في المناطق الجنوبية من الوطن، ولا يمكن إغفاله فهو أصلًا مشرّع بالقانون حيث لا تقبل بعض الكفالات قانونياً إلا بإسقاط الحق الشخصي، ولكن نرفض ما يسمى"القانون العشائري" فلا قانون سوى القانون الفلسطيني".

وتابع:" حتى في حال كان هناك صلح عشائري هذا لا يعفي المجرم من العقاب ولا يسقط الادعاء عنه في كلّ القضايا،  لكنّه يخفف الحكم في بعض القضايا، وبالتاكيد دائمًا الردع يؤدي للضبط والكل يعلم أن بعض القوانين لدينا قديمة ولا تتماشى مع المجتمع بتطوره،  ويجب تعديلها او تغيرها في بعض القضايا وهو عامل مهم ايضاً لضبط الجرائم، حيث إن معدل الجريمة ارتفع خلال العام الحالي بنسبة (%9.5) عن العام الماضي".

هناك خلل بالمنظومة الاخلاقية

من جهته أكد المحامي محمد هادية مدير مؤسسة "ACT" للدراسات والوسائل البديلة لحل النزاعات وعضو الاتلاف المدني لتعزيز السلم الاهلي وسيادة القانون في فلسطين،  أن كافة الاراء اجمعت خلال اجتماع دعا له الاتلاف المدني للسلم الاهلي وسيادة القانون في فلسطين، ان هناك خللاً بالمنظومة الاخلاقية بالمجتمع الفلسطيني، وبالرغم من أن الجريمة جزء من التنظيم الاجتماعي وهي موجودة في كلّ المجتمعات وهذا امر طبيعي".

وقال خلال حديثه لـ"النجاح": الا أن هناك طارئاً يحدث في مجتمعنا ويتعلق بزيادة هذه الظاهرة وبعض الجرائم تفتقر للحد الادنى للاخلاق، والواضح اننا نواجه تهديدًا خطيرًا للمنظومة الأخلاقية والاجتماعية الفلسطينية، وإن كنا لا نشهد وجود جريمة منظمة في فلسطين، ولكن هناك مؤشرات حقيقية تدلل انه اذا ما استمر الحال على ما هو عليه، سنصطدم بواقع خطير يتمثل بمواجهة مع مجموعات من العصابات المنظمة".

وتابع هادية: "برايي هناك مؤشرات حقيقية اذا لم تكن موجودة الان فهي في طور التشكيل،  حيث شهدنا تاريخياً عبر السنوات الماضية وجود عصابات إجرامية مشتركة مع الجانب الاسرائيلي،  بما يتعلق بالاتجار بالمخدرات أو السطو المسلح وبعض القضايا التي تحتاج لاشتراك في الجريمة بين الأطراف سواء بالتسويق أوالزراعة فيما يتعلق بجانب المخدرات مثلًا".

وأضاف: "اعتقد أنَّ هناك خللاً بطريقة المعالجة والمتابعة، فالظاهرة شخّصت لكن آليات المعالجة هل هي سليمة؟

الضفة مقسمة لثلاث مناطق تختلف المسؤولية الأمنية فيها بين منطقة وأخرى، فالمنطقة (أ) تشهد سيطرة من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية ولكن الشرطة تقول إن عدد العناصر غير كافي، ولكن التطور الذي تشهده الجريمة بفلسطين عالي بموجب الاحصائيات فمنذ بداية العام حتى الان هناك(22) جريمة وهذا رقم ليس عاديًا ويجب ان يكون هناك حلول فيما يتعلق بقلة العناصر سواء بالتدوير بين اعضاء الاجهزة الامنية أو حلول اخرى لحل هذه الاشكالية".

وأردف هادية: "المنطقة (ب) التي تقل السيطرة الفلسطينية فيها، من الممكن الحديث عن تعزيز قيم المواطنة عند المواطن، والشرطة  حالياً تعمل على مشروع يتعلق بالشرطة المجتمعية، لكن نقطة ضعه تركز على عناصر الشرطة انفسهم، في حين ان المساهمة يجب ان تكون أعلى من المواطن في هذه العملية سواء جمع المعلومات او الحد من الجريمة بالتعاون مع الشرطة وهذا يحتاج لتعزيز العلاقة والتعاون مع جهاز الشرطة للقضاء على الجريمة".

وتابع:" أما المناطق (ج) كالقدس يمنع على الاجهزة الامنية الفلسطينية العمل فيها، لذلك يجب ان يكون هناك بدائل مثل تشكيل لجان محلية مهمتها حفظ النظام والامن، وعلينا ان ندرك ان هناك مصلحة للاحتلال لاستهداف المنظومة الاجتماعية الفلسطينية، حيث ارتفع مستوى الجريمة في الاحياء العربية بالقدس وهناك قلق حقيقي حيال هذا الأمر".

وفيما يتعلق بالقضاء العشائري وما يمكن ان يسببه من خلل في معالجة هذه الجرائم قال هادية: "اينما ضعف اداء السلطة القضائي والاجهزة التنفيذية للدولة ينمو دور "رجال الاصلاح " حيث إنَّ جزءًا كبيراً منهم يبحث عن مصالح شخصية،  ويتقاضى بدلًا ماليًّا ضخمًا لحل النزاعات، وأصبح البعض يتّخذ "الصلح العشائري"  تجارة تنتعش على حساب المجتمع، والسؤال الذي يطرح نفسه في الوقت الحالي،  هل نحن بصدد دولة مدينة او مجتمعات قبلية؟ و اذا اردنا دولة مدنية فإن احد اهم ركائزها احترام القانون وسيادته".

وحول العقوبات الرادعة والقوانين المعمول بها أضاف هادية:" يجب اعادة النظر بكافة التشريعات التي تعاقب  على هذا النوع من الجرائم، وقانون العقوبات بالضفة منذ عام (1960) هو قانون اردني، ومشروع قانون العقوبات الفلسطيني تم انجازه منذ(4) سنوات لماذا لا يتم اقراره؟

واستدرك هادية: "هناك حاجة ملحّة لهذا القانون، وكذلك مشروع قانون الجرائم الالكترونية، حيث إنَّ جزءًا كبيراً من الجرائم يتعلق بالانترنت و"الابتزازالالكتروني"، و حتى الان لا يوجد عقوبة بالاساس على هذه الجرائم، فهي تعتبر افعالًا غير مجرمة، وبالرغم من أننا نتفهم موقف مؤسسات المجتمع المدني وحرية التعبير، ولكن هناك تهديد يتعلق بحفظ الامن وسيادة القانون، ويجب ان يكون هناك عقوبات رادعة بحق كل من يرتكب الجرائم ويهدد السلم الاهلي وسيادة القانون".

ضرورة وجود عقوبات رادعة

وفي السياق ذاته ناشد الناطق باسم الشرطة الفلسطينية العقيد لؤي ارزيقات:" بإعادة النظر بالقوانين والتشريعات المطبقة في فلسطين، واكد على ضرورة وجودة عقوبات رادعة".

وفيما يتعلق بالصلح العشائري أضاف ارزيقات خلال حديثه لـ"النجاح الاخباري": مجتمعنا عشائري ومن الممكن الاسترشاد ببعض اراء العشائر لكن القانون هو الاساس ونأمل أن نبني دولة القانون التي تحافظ عليه بعيداً عن "الحكم العشائري" ، فالقانون هو الاساس، وفي  حال اسقط الحق الشخصي تخفف العقوبة ويبقى الحق العام اما الاجراءات العشائرية فهي لا تؤثر على القانون".

وحول اهم الصعوبات التي تواجه الشرطة خلال عملها تابع:" من اكثر الصعوبات التي تواجهنا تقسيم المناطق وهو اكثر معيق أمام تطبيق النظام والقانون".

غياب القانون الرادع من اهم العوامل

الدكتور ماهر أبو زنط الخبير في علم الاجتماع، قال: "هناك عدة عوامل لارتفاع نسبة الجرائم بمجتمعنا الفلسطيني وأهمها غياب القانون الرادع فاصبح الانسان يستستهل القتل، والعامل الاخر "الحل العشائري" الذي  اصبح يأخذ بدل القانون في بعض المناطق مثل الخليل، ومن الممكن بعطوة وفنجان قهوة ومبلغ معين من المال أن  تحل الامور".

وتابع خلال حديثه لـ"النجاح الاخباري": كذلك الظروف الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، وما يعانيه الافراد في مجتمعنا من البطالة والفقر كلها عوامل ساعدت على ارتفاع مستوى الجريمة".

وأضاف أبو زنط:" بغض  النظر عن كل هذه العوامل يجب ان يأخذ القانون مجراه وأن يطبق بجدية ولو طبق قانون رادع على حالة واحدة لأرتدع الجميع".

يذكر أنه وخلال الفترة الماضية شهد المجتمع الفلسطيني العديد من جرائم القتل، في مختلف مناطق الضفة، فحتى الان تم تسجيل (22) جريمة قتل.