نبيل عمرو - النجاح الإخباري - مصطلح دول الطوق او دول المواجهة، الذي كان سائدا قبل المعاهدات المصرية الإسرائيلية وبعدها الأردنية، وقبل الحرب السورية العالمية المفتوحة على الزمن، فإن هذا المصطلح خرج من التداول حتى في لغة الشعارات وهتافات المظاهرات.

لقد تحول الى مصطلح آخر اكثر منطقية وواقعية.."الهرم الواقف على رأسه" رأس الهرم، وأنا اتحدث عما يجري الان من تطورات متسارعة محورها ضم إسرائيل لاراضٍ فلسطينية "الأغوار وشمال البحر الميت والمستوطنات مضافا اليها ما تم ضمه سابقا القدس الشرقية والجولان"

رأس الهرم المقلوب هو فلسطين والأردن وقاعدته العالم كله  ولقد شائت الاقدار ان يكون رأس الهرم اصغر كيانين عربيين في سلسلة كيانات الطوق السابق، ومطلوب منهما حمل الهرم على كتفيهما، واقصى ما يحصلان عليه في هذه الدراما عبارات الاطراء والتشجيع تحت عنوان "واصلوا فهذا قدركم ونحن معكم"

ما يحتاج الى تدقيق هي جملة هذا قدركم ونحن معكم، والتدقيق الذي اعنيه هو الترجمة العملية غير الشعارية والرغائبية لهذه الجملة.

قدركم انكم تجسدون كيانين صغيرين يواجهان قوتين من العيار الثقيل، إسرائيل صاحبة التفوق الاستراتيجي من كل النواحي بما في ذلك التحالف مع الولايات المتحدة، والعرب والعالم أصحاب القوة السلبية الأشد تأثيرا وفتكا في مجرى الصراع غير المتكافىء.اذا فقدر الكيانين الصغيرين ان يحملا الهرم لوحدهما.

وفق خريطة ترمب نتنياهو التي تختزل ببلاغة صفقة القرن ، والتي تنطوي على مقدمات ضم معترف به أمريكيا، سوف يبقى للفلسطينيين 4000 كيلو متر مربعة يمكن ان تسمى بعد نجاحهم في امتحان الجدارة التي تضع اسئلته وعلاماته إسرائيل، والذي سيستغرق اربع سنوات على الأقل تسمى دولة، هي في واقع الامر نقطة في بحر احتلال دائم لا سيطرة لسكانها حتى على انفسهم، واذا ما وضع في الاعتبار عدد السكان الفلسطينيين حاليا على الأرض ومن سوف يولدون او يعودون من المنافي الى دولتهم فسوف يكون الزحام ساعتئذ اشد هولا على الحياة من البقاء في المنافي القريبة والبعيدة.

التوأم الأردني الذي دأب الشعار على الزهو به كأطول خط مواجهة سيحظى برزمة مخاوف لها اول وليس لها آخر، والمخاوف في هذه الحالة هي اقوى الحقائق حين تطال الامن القومي والكياني من الداخل وما حوله، ففي حالة ضم الاغوار وشمال البحر الميت والذي يعني بداهة استحالة بلورة تسوية فلسطينية إسرائيلية تكون مكملا موضوعيا للتسوية الأردنية وضمانا لاستمرارها فان الخط الأطول سيصبح الخطر الأطول ، يوم تصبح الأراضي التي ستضم اراضٍ إسرائيلية فأين سيكون العمق الدفاعي لإسرائيل لهذه الحدود الجديدة ؟

ثم ما هو مصير الديموغرافيا وكيف سيكون حالها مع القادم من السنين والمتغيرات، فإن لم يحدث اليوم ذلك الخلل في التوازن الهش فما هي الضمانة من ان لا يتطور الخلل على نحو افدح.

 لقد تعايش الفلسطينيون والاردنيون مع توازن ديموغرافي واقعي دون تدقيق في النسب، وتفاهموا على حاضرهم والى حد ما على مستقبلهم، وفق شعار عملي الأردن للاردنيين وفلسطين للفلسطينيين، واذا كان لابد من رابط مستقبلي بين الكيانين فبالتوافق الطوعي تحت المسمى والمحتوى الذي يتفقون عليه، فهل من ضمانة لأن يواصل هذا الترسخ وجوده وفاعليته اذا ما تغيرت الجغرافيا السياسية وتغيرت معها حتما مقدرات ومصائر؟

واقع الحال يحتم ان تكون العلاقة الأردنية الفلسطينية هي الاعمق فهي العلاقة التي يتشارك طرفاها القلق قبل الطمأنينة، ولقمة العيش في وفرتها او شحها والامن في حاضره وغده والمجتمع بالوانه المتعددة وتشابك جذوره واغصانه على نحو غير متوفر مثله في أي مكان آخر، واذا كان هنالك من انجاز يستحق تسجيله دون جدال حول صدقيته فهو وحدة المجتمع التي اسمنتها وحديدها تداخل المصالح وتكاملها على نحو يستحيل الفصل بينها، وفي الجولة الراهنة جولة الضم فسوف يجد الفلسطينيون والاردنيون انفسهم امام حتمية وعي جديد "لهذا قدركم" ووعي اعمق وأكثر عملية للجملة الثانية ونحن معكم.

واذا كان الناس في الأردن وفلسطين قد فهموا مغزى الأولى على جلودهم وهم يعيشون الذكرى الثانية و السبعين للنكبة، فعلى صناع القرار ان يعوا المغزى العملي لنحن معكم لعلنا نرى أمورا أخرى افضل من تلك التي رأيناها على مدى اثنين وسبعين سنة.