وكالات - عقل أبو قرع - النجاح الإخباري - أشار تقرير، صدر قبل عدة أيام من الأمم المتحدة، إلى الخطر الحقيقي الذي يواجه العالم بسبب التغيرات المناخية المتصاعدة في مختلف بقاع الأرض، والخطر الداهم على الأمن والسلام في العالم بفعل التزايد الملحوظ في درجة حرارة الأرض، وإلى ارتفاع مستوى المياه في المحيطات والبحار، الناتج عن ذوبان الجليد بسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض، وما لذلك من تداعيات وخيمة على الناس في بقاع متعددة في العالم.
وحسب التقرير، فإن الفترة الممتدة من 2023 حتى 2027 ستكون بشكل شبه مؤكد أكثر فترة شديدة الحرارة يشهدها كوكب الأرض على الإطلاق، في ظل التأثير المتصاعد لغازات الدفيئة التي ما زالت نشاطات البشر تبثها إلى طبقات الجو، وأن الحرارة العالمية ستتجاوز قريباً الهدف الأكثر طموحاً لاتفاق باريس حول المناخ، واحتمال أن يتجاوز المتوسط العالمي السنوي لحرارة سطح الأرض بـ1,5 درجة مئوية المستوى المسجّل ما قبل الثورة الصناعية، خلال واحدة على الأقلّ من السنوات الخمس المقبلة.
وحسب تقرير دولي سابق، فإن ارتفاع مستوى المياه في المحيطات يهدد فعلاً باختفاء مدن مثل شنغهاي في الصين، وميامي في الولايات المتحدة، والإسكندرية في مصر، ويشكل خطراً داهماً على دول مثل بنغلادش والهند والصين وهولندا، وذلك بسبب الفيضانات المتوقعة، وفي نفس الوقت سوف يؤدي إلى تسرب المياه المالحة من البحار والمحيطات إلى خزانات المياه الجوفية ومصادر المياه العذبة، وما لذلك من تداعيات هائلة على التربة والزراعة والمياه والأمن الغذائي، والهجرات القسرية والعنف، وبالتالي على السلام والأمن في العالم.
وبيّن التقرير الصورة القاتمة التي سوف يؤدي إليها التغير المناخي خلال السنوات القادمة، ومنها إلحاق المجاعة بحوالى 200 مليون شخص، حيث تكون المرأة هي الأكثر هشاشة، ويحذر التقرير من تصاعد انتشار الحرائق والفيضانات، وفقدان التربة الزراعية أي التصحّر وشحّة المياه وإحداث التلوث بأنواعه، سواء تلوث الهواء أو المياه أو التربة أو الطعام، والتصاعد الكبير في نسبة الأمراض وحتى ظهور آفات جديدة وبالتالي أمراض أو أوبئة جديدة، والإخلال بالتوازن الطبيعي البيئي والتنوع الحيوي.
وتعصف التغيرات المناخية العنيفة بنا منذ عدة سنوات، هذا رغم قمم المناخ العالمية السنوية المتعددة التي تم عقدها، وفي ظل التحضير لقمة المناخ العالمية الدورية السنوية، والتي سوف تنعقد في مدينة دبي نهاية هذا العام، والتي في العادة يشارك فيها ممثلو حوالى 200 دولة، ومن بينهم عدد كبير من الرؤساء ورؤساء الحكومات والوزراء والخبراء والباحثون، والتي سوف تستمر في المناقشات وعرض نتائج الأبحاث لعدة أيام، ويتم التركيز خلال هذه القمة على عرض الأدلة والبيانات، ونتائج الأبحاث التي قام ويقوم بها المختصون والباحثون، سواء أكانوا يتبعون هيئات أكاديمية، أو حكومات أو هيئات دولية، ومنها ما يتبع منظمة الأمم المتحدة، بتخصصاتها وبرامجها المختلفة.
وسوف تنعقد هذه القمة، في ظل قمة مجموعة الدول الصناعية الكبرى السبع الدورية السنوية، وهي الولايات المتحدة وكندا واليابان وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، وهذه الدول تملك مجتمعة أكثر من 40% من مجمل الناتج الاقتصادي الإجمالي في العالم، أي أنها تملك اقتصادات قوية ذات أذرع صناعية ضخمة ومتشعبة، وبالتالي تساهم بشكل كبير في بث غازات التلوث المتعددة إلى طبقات الجو، وما إلى ذلك من تداعيات بيئية ومناخية، وبالتالي لا عجب أن أحد المواضيع الرئيسة التي ناقشتها القمة كان التغيرات المناخية التي حدثت وتحدث في العالم بسبب نشاطات البشر، وسبل الحد منها.
وبصرف النظر عن القرارات التي تم أو سوف يتم اتخاذها فيما يتعلق بمحاربة التلوث الذي تساهم به بشكل كبير هذه الدول، هذا بالإضافة إلى دول صناعية أخرى مثل الصين والهند والبرازيل وغيرها، وبصرف النظر عن الآلية التي تم أو سوف يتم وضعها للتطبيق العملي لهذه القرارات، والتي تهدف في الأساس إلى تقليل كمية الغازات الملوثة التي يتم بثها إلى الجو، وإلى التوجه أكثر نحو مصادر الطاقة النظيفة أو الخضراء، إلا أن الآثار والتداعيات البيئية والصحية التي أحدثتها وما زالت تحدثها هذه الدول بفعل الاحتباس الحراري، والتغيرات المناخية قد شملت معظم دول العالم، وبالأخص الدول الفقيرة التي لا تساهم بشكل ما في إحداث التغيرات المناخية، ولكن تتحمل العواقب والآثار بشكل أكثر إيلاماً أو دون أنصاف أو عدل، في ظل غياب عدالة مناخية في العالم.
وهذا يعني بالتحديد الصورة القاتمة والظالمة التي باتت تحياها دول فقيرة أو ضعيفة ولا تملك المصادر أو الإمكانيات للتعامل مع تداعيات بيئية ومناخية وربما صحية، بسبب النشاطات التي تقوم بها دول أخرى، حيث بتنا هذه الأيام نلمس هذه التداعيات مثل قلة الأمطار وارتفاع حرارة الأرض، وذوبان الجليد، وبالتالي ارتفاع منسوب المياه والفيضانات، والتصحّر أي فقدان قدرة التربة على الزراعة، والتلوث، وانتشار بعض الأمراض بسبب ظهور آفات جديدة، وما ينتج عن ذلك من تداعيات إنسانية وسياسية واجتماعية، والتي تأتي إفرازاً أو نتاجاً لغياب العدالة المناخية.
وتحقيق العدالة المناخية يعني الحد من الغازات التي تلوث الجو والبيئة، وهذا يعني الحد من النشاطات الاقتصادية، أو التوجه نحو الاستثمار أكثر في نشاطات اقتصادية صديقة للبيئة، أو نشاطات صناعية نظيفة وخضراء، وهذا يعني أو يؤثر على المال والاستثمار والعمل والتشغيل، ويعني بالضبط أيضاً السياسة وتداخل المال مع السياسة، أو تداخل وتأثير رجال المال والاقتصاد على السياسيين، وهذا بدوره يعني مدى صعوبة نقاش موضوع التغيرات المناخية في قمم العالم، وبالأخص قمم الدول الصناعية الغنية.
وفي ظل تواصل صدور التقارير الدولية التي تحذر من تداعيات التغيرات المناخية، ومن أهمها ارتفاع درجة حرارة الأرض، وفي ظل تواصل إنكار مفهوم العدالة المناخية من الدول الكبرى التي هي المسبب الأساسي لتداعيات المناخ، فإن العدالة المناخية تنطبق كذلك علينا في فلسطين، ونحن نتأثر بما يقوم به الآخرون في العالم، وبسبب البقعة الجغرافية الضيقة عندنا، والمصادر الطبيعية المحدودة، والزيادة المرتفعة المتواصلة نسبياً في أعداد السكان، فقد يكون هذا التأثير علينا كبيراً وملموساً، وربما بدأنا نلمس آثاره في مجالات المياه والإنتاج الغذائي، والجفاف والتصحر، وتراكم النفايات، وبالأخص في المناطق الريفية أو الزراعية، ومن أبرزها منطقة الأغوار، حيث تكون المرأة الريفية أو التي تعمل في الزراعة، هي الأكثر تضرراً في المجالات الصحية والاجتماعية والاقتصادية المتعددة.