وكالات - طلال عوكل - النجاح الإخباري - الحملة التي تعرّض لها الرئيس محمود عباس في ألمانيا بسبب تصريحاته حول المجازر الإسرائيلية، تكشف مرّة بعد الألف، النفاق الذي يسود المجتمعات الغربية، خصوصاً.
لا ذنب للفلسطينيين إزاء شعور الألماني بالذنب تجاه «الهولوكوست»، لكن الألماني وضع نفسه مرّة أخرى أمام عملية ابتزاز جديدة من قبل إسرائيل بعد عمليات الابتزاز التاريخية التي كبّدت ألمانيا ولا تزال مليارات الدولارات.
الرئيس عباس لم ينفِ «الهولوكوست»، ولكنه أراد أن يُذكّر العالم ومن ألمانيا، بأن إسرائيل ترتكب عشرات بل مئات المجازر البشعة بحق الشعب الفلسطيني، من دون أن تلقى حتى عتاباً من قبل مجموعة المنافقين الغربيين.
يصل مستوى النفاق الألماني، إلى حدّ أن الشرطة تنظر في دعوى ملاحقة للرئيس عباس، وإلى حد أن أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية السابقة، تعتب على المستشار الحالي شولتس لأنه لم يطرد الرئيس عباس.
الغضب الألماني غير المبرّر، جعل شولتس يفكر بزيارة إسرائيل ربما لتطييب الخاطر، أو الإعلان من تل أبيب عن أن بلاده لا تزال تواصل دعمها للسياسة والجرائم التي ترتكبها إسرائيل.
السلوك الألماني يمنح إسرائيل ضوءاً أخضر لارتكاب المزيد من الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، ويضاعف الحواجز التي تحول دون ملاحقتها، فليس أميركا فقط أو بريطانيا من تتكفّلان بحماية إسرائيل من الملاحقة وإنما ألمانيا، أيضاً.
الحملة الإسرائيلية أكثر من بشعة، فلقد تسابق المتنافسون على رئاسة الحكومة القادمة في استخدام ألفاظ وتعبيرات، لا تصدر إلّا عن شُذّاذ آفاق، وشخصيات مأفونة لا تتمتّع بالحدّ الأدنى من أدب الحديث والتعامل.
الحملة الإسرائيلية تعبّر عن توظيف واقعة مزيّفة، تُضاف إلى العدوان الإسرائيلي على غزة ونابلس وجنين والقدس، لعلها تسعف المتنافسين على تحسين أوضاعهم الانتخابية.
كل تعليقات المسؤولين الإسرائيليين سيئة وخطيرة.. لكن أخطرها ما تلفّظ به وزير المالية أفيغدور ليبرمان، الذي اعتبر الرئيس عباس أشدّ خطورة من ما تُسمّيه إسرائيل الجماعات الفلسطينية الإرهابية.
تضيف ردود الفعل الإسرائيلية، برهاناً آخر، على فشل سياسة المراهنة على تحقيق السلام، وإقامة الدولة الفلسطينية مع وجود نخبة واسعة ومسيطرة من الأحزاب والقيادات الإسرائيلية التي ترى أن الفلسطيني الجيّد هو الفلسطيني الميّت.
مثل هذا الخطاب الرسمي الإسرائيلي من شأنه أن يُعمّق ويُوسّع دائرة التعبئة والتحريض التي تشغل ماكينة التطرُّف الشديد الذي تتسم به السياسة الإسرائيلية، ويدفع بعض رموزها إلى ارتكاب المزيد من الجرائم، ومواصلة تجريف حقوق وحياة الفلسطينيين.
هكذا يكون الفلسطيني الذي يدعو إلى السلام، ويسعى حقيقة من أجله، أشدّ خطورة من المقاومة المسلحة، ما يعني أن السلام بالنسبة لإسرائيل أشدّ خطورة على وجودها واستراتيجياتها من القتال.
يقول مثل مصري: «ناس بيخافوا وما بيستحوش».. فلقد كان الكثير من العواصم، والكثير من المسؤولين يرتجفون في أيام سابقة، خوفاً من الفلسطينيين، أما اليوم فإنهم لا يُقيمون حساباً للفلسطيني، الذي يمتنع عن ملاحقة سرطان الاحتلال الذي يجتاح العديد من المجتمعات.
الفلسطينيون ليسوا مسؤولين عن «الهولوكوست»، ولا هم يؤيدون أو يدعمون، القتل وارتكاب الجرائم بحق الأقليات، أو الشعوب الأخرى، لأنهم ضحايا مثل هذه السياسة، وهم قد دفعوا ولا يزالون يدفعون ثمن تلك الجرائم الدولية، التي وفّرت الذرائع لفرض حلّ للمسألة اليهودية على حساب الشعب الفلسطيني وأرضه وتاريخه.
إزاء هذه الحملة الشعواء، لا يمكن للفلسطينيين إلّا أن يكونوا مُوحَّدين.. فلقد أدانت كل الفصائل، وكل النخب تلك التصريحات، سواء كانت من إسرائيل أو من الألمان.
حين يكون الصراع مع الإسرائيلي، وفي كل مرّة، تظهر وحدة الشعب الفلسطيني، ويظهر مدى وعي القوى السياسية التي تعطي الأولوية لمواجهة الاحتلال والصراع معه.
والسؤال هو: هل حان الوقت، لتجريد حملة فلسطينية واسعة ومُركّزة، تقدم للمجتمع الدولي جردة حساب تفصيلية للجرائم التي ارتكبتها الحركة الصهيونية وإسرائيل منذ «وعد بلفور» حتى الآن أم أن الأمر سيظلّ محكوماً لسياسة التردّد والحسابات والمساومات الصغيرة؟
لماذا لا يرفع الفلسطينيون دعوى قضائية لدى كل المحافل ذات العلاقة بالعدالة الدولية، على بريطانيا، بما أنها الدولة التي تتحمّل المسؤولية عن النكبات والمجازر التي حلّت وارتكبت بحق الشعب الفلسطيني؟
نفاق القوى الاستعمارية الغربية متواصل، وبلا حياء أو خجل بالرغم من أن المسؤول في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل اعترف مؤخّراً وصراحة، بأن أوروبا تمارس سياسة ازدواجية المعايير، فهل يمكن أن يضع الفلسطينيون مجموعة المنافقين الدوليين أمام المرآة؟.