نابلس - عقل أبو قرع - النجاح الإخباري - صرح وزير العمل قبل عدة أيام، بأن نسبة الإقبال أو التوجه الى التعليم المهني ممن أنهوا امتحان الثانوية العامة «التوجيهي»، تبلغ حوالي الـ 8%، وان حوالي 92% منهم يتوجهون نحو المسار الأكاديمي، أي نحو الجامعات والكليات والمعاهد وما تحويه من تخصصات مختلفة وما زالت مكررة رغم ازدياد عدد مراكز التعليم أو التدريب المهني خلال السنوات القليلة الماضية في بلادنا، ورغم حملات التشجيع والتحفيز التي تقوم بهما جهات مختلفة.
وحسب الوزير، تبلغ نسبة البطالة عند الخريجين الذي يحملون شهادات البكالوريوس والماجستير نحو 54%، وتتركز في تخصصات العلوم التربوية والاجتماعية والإنسانية وغيرهما، هذا مع العلم وحسب الوزير أن نسبة كبيرة ممن يتجهون الى التعليم المهني أو التقني يجدون فرص عمل بصورة أسهل مقارنة بالخريجين الأكاديميين، وفي نفس الوقت وحسب الأرقام الأخيرة تبلغ نسبة البطالة في فلسطين حوالي الـ 27%، منها حوالي 17% في الضفة الغربية وتصل الى نسبة الـ 50% في قطاع غزة، وهذه أرقام مرعبة ومقلقة وتتصاعد، وبالأخص أننا نعلم أن حوالي 40 ألف خريج يغادرون الدراسة ويتجهون الى سوق العمل سنويا.
وقبل أيام، أعلنت وزارة التربية والتعليم، عن نتائج امتحان «التوجيهي»، وفي هذا العام، وكما كانت في الأعوام السابقة، ومع نسبة نجاح تصل الى حوالي الـ 70%، فإن عشرات الألوف من الذين اجتازوا او نجحوا في الامتحان، وبمعدلات مختلفة، من الممكن ان يلتحقوا او لا يلتحقوا بالجامعات والكليات والمعاهد الكثيرة، المنتشرة في بلادنا، وبالطبع هناك عشرات الآلاف من الطلبة، أي من الشباب الذين هم في مقتبل العمر، والذين لم يحالفهم الحظ في النجاح، او في اجتياز الامتحان، وكل لأسبابه المختلفة، والتي قد لا تعكس قدراتهم.
وبالتالي فإنهم إما ان ينضموا الى قوافل البطالة المنتشرة في بلادنا، او ان يصبحوا عمالا هنا او هناك او في داخل الخط الأخضر، وبعضهم من الممكن ان يترك البلاد إذا استطاع ذلك، وبعضهم من الممكن ان يتجه الى مجال التعليم المهني او التقني او التكنولوجي، المشتت والمحدود وغير المدعوم والذي لا توجد له ميزانيات او خطط استراتيجية بعيدة المدى عندنا، أسوة بما تقوم به دول متقدمة ومتحضرة، والتي تعتمد في الأساس على تقدمها على الاستثمار في هذا النوع من التعليم، وبالتالي الاستثمار في الأشخاص الذين يتجهون الى هذا التعليم، وبالتالي في تلبية احتياجات البلد والمجتمع وسوق العمل.
وللتخلص من البطالة المتصاعدة وتداعياتها المتشعبة، يمكن أن نستثمر أكثر وكما تقوم به العديد من المؤسسات، ومن ضمنها الدولية والإقليمية، من خلال دعم تطبيق فلسفة «المشاريع الصغيرة الإنتاجية المستدامة»، أي المشاريع التي لا تنتهي مع نضوب الدعم او المنح، بل تستمر من خلال ناتجها الذاتي، وبل تنمو وتكبر وتتوسع، سواء من ناحية الكمية، او النوعية أي تتفرع الى أعمال أخرى، قد تكون لها علاقة ما بالعمل الأصلي او قد لا يكون.
واستراتيجية الدعم هذه، يمكن ان تتم من خلال الدعم المادي المباشر، أو من خلال التدريب، أو من خلال دراسات الجدوى، أو من خلال المساعدة في التخطيط والتقييم، أو من خلال كل هذه الأعمال معا، وهذه الاستراتيجية هي ما نحتاجه في بلادنا، إما لمحاربة الفقر، او للحد من البطالة، ومن المعروف انهما مترابطان.  
وفي ظل هذا الوضع القاتم والجامد والمتكرر عاما بعد عام، يتحدث الكثير عن التعليم المهني او التعليم التقني، او التعليم غير الجامعي، والذي هو ربما اهم من التعليم الأكاديمي الجامعي في بلادنا وفي غيرها من البلدان، ورغم الحديث الكثير عن هذا النوع من التعليم، إلا ان القليل قد تم من اجل تشجيع الإقبال على هذا التعليم او خلق الفرص والإمكانيات من اجل توجه الطلبة نحوه، ومن ثم ربطة وبشكل استراتيجي، سواء من حيث الكم او النوع مع احتياجات المجتمع، ومع سوق العمل ومع الابتعاد عن شبح البطالة، وتوفير حياة كريمة، للطلبة الذين اجتازوا او لم يجتازوا امتحان «التوجيهي».  
والتعليم المهني او التكنولوجي في بلادنا، يتطلب وجود استراتيجيات بعيدة المدى، وسياسات وقوانين وأنظمة من اجل زيادة الإقبال عليه، وهذه القوانين من المفترض ان تحدد الأسس ومن ثم الحوافز من اجل التوجه الى هذا التعليم، وهذا يتطلب إيجاد تخصصات متقدمة ومحترمة تساهم في تقدم المجتمع كما ساهمت في تقدم مجتمعات أخرى وليس فقط تخصصات اعتاد الناس عليها مثل الحرف التقليدية البسيطة.
وهذا يتطلب كذلك توفير الإمكانيات من مختبرات ومشاغل وأجهزة وكوادر بشرية، وزيادة الوعي عند الناس لتغيير نظرتهم الى التعليم المهني والتقني وكأنه درجة ثانية بعد التعليم الجامعي، وهذا يتطلب الشراكة الاستراتيجية مع القطاع الخاص الذي لا يتقدم كما يتم التقدم، في المجتمعات الأخرى دون الاعتماد على مخرجات هذا التعليم، ودون الاستفادة من نتائجه في تطوير منتجاته وخدماته.
ومع الإعلان عن نتائج «التوجيهي» والذي سوف يصبح روتينيا خلال الأعوام القادمة، والبدء في التسجيل في مؤسسات التعليم العالي المختلفة، علينا ان نتعلم من دول أخرى، تقدمت بسبب الاستثمار في مؤسسات التعليم وبالأخص التعليم التقني أو المهني وفي البحث العلمي، وبسبب هذا الاستثمار تقدمت اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، وبالتالي اصبح البند الأول في ميزانيتها من حيث كمية الأموال او من حيث الأولوية.
ومن الأمثلة الحديثة على ذلك تركيا أو ألمانيا، حيث وفي ظل هذا الاستثمار، تعمل مظلة التعليم العالي على تحقيق أولويات البلد والمجتمع، وتقوم باستغلال المصادر والإمكانيات والكفاءات من طلبة ومن أساتذة، ليس فقط من أجل تخريج الطلبة، ولكن وبالتوازي ومن حيث الأهمية، تقوم بإجراء الأبحاث التي يحتاجها المجتمع، أي الأبحاث التي تهدف لسد حاجة او نقص في البلد، او نوعية الأبحاث التي يتم تفصيلها على مقياس المجتمع وليست الأبحاث التي يتم استيرادها مع أموالها من الخارج.