نابلس - طلال عوكل - النجاح الإخباري - للمرة الرابعة خلال سنتين، يتوجه الناخبون في إسرائيل الى صناديق الاقتراع في غياب اليقين بأنهم سيحصلون على حكومة مستقرة، ودون تكاليف إضافية ترهق موازنات الدولة. ليس من الضروري انتظار ظهور النتائج النهائية لعملية التصويت، فما تم فرزه حتى ظهيرة يوم أمس، يكفي لتسليط الضوء على طبيعة التحولات السياسية والاجتماعية التي تمر بها دولة الاحتلال المحكومة لمخطط صهيوني توسعي، وقوانين عنصرية تغذي الشعبوية، والمزيد من التطرف، وتكريس إرهاب الدولة.
حتى كتابة هذه السطور، تغير بعد الظهر ما كان قبل الظهر، فلقد أربكت منظومة الحكم على وقع العينات التلفزيونية، إذ لم يعد نتنياهو قادرا على تشكيل حكومة بأغلبية واحد وستين مقعداً دون ان يخضع لعمليات ابتزاز، وتصاعد التناقضات في داخل الليكود، والمعسكر اليميني الموالي لنتنياهو.
ما نشر حتى ظهر أمس، يشير الى أن معسكر نتنياهو، لم يحصل على العدد الكافي لتشكيل الحكومة حتى لو انضم الى تحالفه، نفتالي بينيت، الذي دأب على توجيه التهم والإهانات لرئيس الحكومة. الانتخابات السابقة، قدمت درساً للعديد من الأحزاب والكتل اليمينية لا يمكن تجاوزه هكذا بسهولة ويشير الى عدم الثقة بنتنياهو الذي ابرم اتفاقاً مع حزب «ازرق ـــ ابيض» ولم يلتزم به. نتنياهو لم يكن في وارده، ان يتناوب على رئاسة الحكومة مع بني غانتس، الذي خسر تحالفه ولم يبق معه إلا ستة عشر مقعداً في الكنيست، وانتهى به الأمر الى ما يقترب من التلاشي في الانتخابات الراهنة.
لعل المظهر الأبرز للدورات الانتخابية الأربع، والذي يشكل تلخيصاً لأزمة الحكم، والديمقراطية الإسرائيلية، هو أن كل الانتخابات جوهرها يدور حول شخص نتنياهو. ليس هناك مجال للحديث عن معسكرين سياسيين، فلو كان الأمر كذلك، لنجح نتنياهو في تشكيل حكومة تحظى بأكثر من تسعين صوتاً في الكنيست.
الحديث يدور عن معسكرين، عنوان الخلاف بينهما رئيس الحكومة، أي معسكر نتنياهو، والمعسكر المضاد له. في المعسكر المضاد لنتنياهو، ثمة أحزاب وجماعات لا تقل تطرفا عن نتنياهو، وبالتالي غير دقيق الحديث عن معسكر وسط ويسار.
على نحو خاص، فإن المشهد السياسي والحزبي الإسرائيلي بأغلبيته الساحقة لا يختلف على الطبيعة العنصرية للدولة، ولا يختلف على الأطماع الصهيونية في الضفة والقدس، ولا يختلف عن الطبيعة الاحتلالية، والسيطرة على الشعب الفلسطيني. إذ ذاك فإن طبيعة اهتمام الفلسطينيين بما تنتهي إليه الانتخابات الإسرائيلية، لا علاقة له في الجوهر بمن يكون على رأس الحكومة، وان الاهتمام ينبغي ان يتوجه نحو آليات التأثير في المشهد السياسي لجهة تعميق أزمة الكيان، وتصعيد التناقضات بداخله، وفضح المزاعم الإسرائيلية بشأن التزامها قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
صحيح ان أغلبية الفلسطينيين يتملكهم الغضب تجاه نتنياهو، وتحدوهم رغبة جامحة في أن يغادر المشهد السياسي الى السجن، او حتى الى جهنم، ولكن ليس لأسباب شخصية وإنما لأسباب تتعلق بسياساته الجهنمية تجاه الحقوق الفلسطينية.
نتنياهو لا يزال مصرا على انه سيفعل كل شيء من اجل التوصل الى حكومة مستقرة برئاسته. لكن كل قدراته على التحايل والتضليل لن تسعفه هذه المرة، ولذلك فإنه يقول إما أنا او الذهاب الى انتخابات خامسة قبل نهاية هذا العام.
بني غانتس كان قد حذر من ان فوز نتنياهو بتشكيل حكومة بعد الانتخابات، سيمكنه من تغيير وزير العدل، والنائب العام بمعنى إحداث انقلاب في منظومة القضاء، حتى يؤمّن له مخرجاً من المحاكمة التي تنتظره خلال أسابيع قليلة قادمة.
وبالإضافة فإن نجاح نتنياهو في تشكيل حكومة، يعني انه يملك أغلبية في الكنيست لصالح قانون الحصانة، ولذلك فإن بعض الأصوات المؤيدة لنتنياهو تنصح بالاستعجال في استمالة القائمة الموحدة، برئاسة منصور عباس، لانتخاب رئيس الكنيست، والاستعجال في تقديم قانون الحصانة.
المشكلة، ان ثمة خلافات داخل «الليكود»، فلقد بدأ البعض يعبر عن رأي معترض، على إمكانية الاعتماد على أعضاء الكنيست العرب سواء من القائمة الموحدة او القائمة المشتركة.
وربما تتسع دائرة الاعتراضات على مثل هذا التوجه، من قبل حلفاء نتنياهو في المعسكر اليميني الحريدي.
من الواضح ان الصراع سيحتدم بين كافة الأطراف، ذلك ان المعسكر الآخر المضاد لنتنياهو، يشمل العديد من الأحزاب، التي ترفض من حيث المبدأ الاعتماد على القوائم العربية، ولذلك فإن هذا المعسكر أيضاً ليس مرشحاً لتشكيل حكومة.
هكذا تكون القوائم العربية هي بيضة القبان، التي تقرر مصير الانتخابات ومستقبل نتنياهو، ومعها مكانة الدولة والديمقراطية. نادرة مثل هذه الفرص، التي تتاح أمام الفلسطينيين في مناطق 1948، والخشية من ان يتلاشى هذا التأثير، مقابل امتيازات لأفراد، او وعود شكلية.
لا نغادر المشهد قبل أن نشير الى الأزمة التي يعاني منها الوسط العربي في إسرائيل، فلقد أدى الانقسام بين الحركة الإسلامية الجنوبية والأحزاب الثلاثة المؤتلفة ضمن القائمة المشتركة الى أمرين: الأول، تراجع اهتمام الناخب العربي بالذهاب الى صناديق الاقتراع، والثاني، الى خسارة كبيرة في نسبة التمثيل التي هبطت من خمسة عشر مقعداً، الى ما يقرب من عشرة مقاعد او اكثر قليلاً.
غير ان الأهم هو الانقسام السياسي والاجتماعي بين من تخدعه وعود اليمين الإسرائيلي، وعلى رأسه نتنياهو وبين من يرفض التعاون مع هذا اليمين. هذه المشكلة تشير الى خلل جوهري في نقص المناعة الوطنية وتغليب التكتيكي على الاستراتيجي الذي يتعلق بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.