محمد ياغي - النجاح الإخباري - في أسوأ أحلامنا لم نتوقع أن يصل بعض العرب الرسميين إلى بيع فلسطين علانية مقابل المال ولكنها اليوم حقيقة.

قبل أربعة أيام نشرت صحيفة النيويورك تقريراً عن المفاوضات التي تجرى بين رئيس المجلس العسكري السوداني وحكومة نتنياهو بشأن تطبيع السودان لعلاقاتها مع إسرائيل.

التقرير أشار إلى لقاء غير رسمي جمع الجنرال عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكري السوداني بممثلين عن الولايات المتحدة في دولة الإمارات العربية المتحدة تم فيه نقاش تطبيع السودان لعلاقتها مع إسرائيل.

مطالبات السودان مقابل التطبيع كانت رفع اسمه عن لائحة الإرهاب في الولايات المتحدة والحصول على مساعدات مالية من ثلاثة إلى أربعة مليارات دولار.

اسم السودان دخل قائمة الدول التي تصنفها أميركا كدول إرهابية العام ١٩٩٣، وبعد التفجيرات التي تعرضت لها السفارات الأميركية في تنزانيا وكينيا العام ١٩٩٨ وهجمات ١١ أيلول الإرهابية جرت مطالبة السودان بدفع ما قيمته ٣٣٥ مليون دولار كتعويض لأسر الضحايا مقابل رفع اسم السودان من اللائحة.

المسوغ القانوني ضد السودان هو قيامه بإيواء أسامة بن لادن في أراضيه لكن السودان فعلياً قام بإجلائه عنها العام ١٩٩٦ قبل تفجيرات كينيا وتنزانيا وهجمات ١١ أيلول.

والسودان إضافة لذلك قام بإنهاء حكم البشير الذي كان يؤوي بن لادن سابقاً، وهو كله يعني أنه لا توجد أرضيه قانونية لمطالبة السودان بالتعويضات المالية.

ضمن القانون الأميركي، رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب هي قضية من اختصاص الكونغرس والأخير عليه أن يحول السودان من دولة راعية للإرهاب إلى دولة تتمتع بالحصانة، وبالتالي تمنع ملاحقتها قضائياً داخل أميركا، وهي مسألة ممكنة لما تتمتع به إسرائيل من نفوذ داخل الكونغرس الأميركي، وما تعهدت به إدارة ترامب للبرهان مقابل التطبيع.

المسألة الأخرى هي موضوع المساعدات المالية. مقابل مطالبة عسكر السودان بثلاثة إلى أربعة مليارات دولار كثمن لبيعه للقضية الفلسطينية عرضت أميركا عليهم ٨٠٠ مليون دولار كمساعدات واستثمارات تَدفع غالبيتها دولة الإمارات العربية المتحدة والباقي تدفعه أميركا بينما تدفع إسرائيل عشرة ملايين دولار.

يقال، ووفقاً للتقرير نفسه، إن البرهان «وقف وقفة عز» وأصر على أن «ثمن» فلسطين أكبر من ذلك بكثير، وهو إما أن يحصل على الثمن كاملاً وإما أن يرفض التطبيع!

ويقال إنه أخبر المفاوض الأميركي أن دولاً أخرى قد حصلت على عشرات المليارات من الدولارات على مدار سنوات عديدة بعد توقيعها على اتفاقات سلام مشابهة وأنه ليس بأقل منهم، وهو بالتالي عندما يطلب من ثلاثة إلى أربعة مليارات دولار مقابل التطبيع فهو لا يأتي بعرف جديد وإنما ما يطلبه هو استمرار لعرف قائم.

ويقال إنه أضاف إن ثلاثة أو حتى أربعة مليارات دولار هي مبلغ تافه مقابل التطبيع مع إسرائيل، لأن عليه مواجهة شعبه الرافض لهذا القرار، والذي يمكن، وفق ما قاله، أن يتمكن من إرضاء العديد منهم إذا ما تمكن بعد حصوله على المبلغ من وضع القليل من الطعام على مائدتهم وهو لذلك يصر على المبلغ الذي يطلبه ولن يتنازل عنه.

مع إصرار البرهان على المبلغ، انتهى التفاوض مع الجانب الأميركي بشأن التطبيع وتُرك الأمر «للعرب» لعلهم يقررون رفع سقف مساهمتهم المالية لإقناعه بالمضي قدماً في مشروع التطبيع.

الغريب في الأمر أن الدولة المعنية بالموضوع وهي إسرائيل لم تعرض على البرهان أكثر من عشرة ملايين دولار.

نعرف على الأقل هنا أن هذا المبلغ لا يمثل «قيمة فلسطين» بالنسبة لإسرائيل. أولاً، لأنها تقاتل الفلسطينيين من أجل هذه الأرض منذ أكثر من سبعين عاماً. وثانياً، لأنها تفعل كل شيء من أجل أن تتخلص من أصحابها. وثالثاً، لأنها عرضت على الفلسطينيين ومن خلال كوشنر أن تقنع العرب ومعهم أميركا وأوروبا بدفع مبلغ خمسين مليار دولار للفلسطينيين للموافقة على خطة ترامب المشؤومة.

مبلغ العشرة ملايين دولار إذاً، هو ما تراه إسرائيل إما «قيمة» للجنرال وهو هديتها له مقابل التطبيع ويمكنه أن يحول هذا المبلغ إلى حساب خاص به إن أراد، وهو «القيمة المالية» التي تستحقها العلاقة مع النظام السوداني.

لعلم البرهان، هنالك بعض الإرهابيين مثل بن لادن والظواهري والبغدادي كانت أميركا قد عرضت مقابل الحصول على معلومات عنهم، وليس على «رؤوسهم» أكثر بكثير مما عرضته إسرائيل عليه.

في الحالتين، إسرائيل ترى أن قيمة «الشخص» وربما «النظام» لا تساوي أكثر مما عرضت.

هنا يمكن للفلسطينيين أن يُعزوا أنفسهم قليلاً لأن «قيمتهم المالية»، كما يبدو، أكثر بكثير من «القيمة المالية» لعديد الأنظمة العربية.

ويمكنهم أيضا أن يُعزوا أنفسهم لأن البرهان لا يمثل السودان وهو جاء إثر انقلاب عسكري للحفاظ على النظام الذي انقلب عليه وهو يخشى أن تجرده الانتخابات القادمة والمقررة في العام 2021 من أي فرصه لتثبيت أقدامه بالسلطة، لذلك هو يريد «المال» ويريد الكثير منه ليتمكن من شراء ذمم السودانيين.