سهيل كيوان - النجاح الإخباري - تحدّث كثيرون عن احتمال نشوب مواجهة شاملة بين إيران وأميركا قد تتطور إلى حرب عالمية ثالثة. تتخذ أميركا موقع المراقب الحذِر في صراعات المنطقة، وتُذكي النار إذا ما شعرت بأنها تقترب من خُبُوّها.

وما يهم أميركا في الأساس هو إنهاك شعوب المنطقة لبعضها بعضًا، طبعًا باستثناء إسرائيل. هكذا غضّت الطرف عن تفوق الحوثيين بدعم إيران في اليمن على حليفتهم السعودية، وأطلقت يد إيران في العراق لمحاربة أنصار صدام حسين والبعث ثم تنظيم "داعش"، فالهدف هو استنزاف شعوب المنطقة ومواردها ومواصلة حَلْب ما يُحلّب وتدمير ما لا يُحلب.

ولا توجد فروق جوهرية بالنسبة لأميركا بين أنظمة المنطقة، وهمّها الأساسي عرقلة تحرر شعوب المنطقة، وتفضل أن تبقى تحت حكم أنظمة دكتاتورية ومَلَكية متخلفة، يسهل ابتزازها وحلبها وعرقلة نموها لتبقى ضعيفة، وأي قوة إقليمية مهما بدت قريبة من أميركا مثل تركيا، فهي تفضلها ضعيفة.

من مصلحة أميركا توريط دول إقليمية مثل إيران وتركيا في حروب المنطقة، ودقّ أكثر ما يمكن من الأسافين والخلافات بين الشعوب والمذاهب والطوائف حتى تتحول هذه العداوات إلى تاريخية يصعب إصلاحها. لقد حقق ترامب نقاطًا عندما سجّل لنفسه اغتيال أبو بكر البغدادي، زعيم "داعش"، وأتى اغتيال سليماني ليضيف نقاطًا أخرى لرصيده، من وجهة نظر إسرائيليّة وأميركية.

قرار قتل سليماني كان موجودًا وجاهزًا للتنفيذ وكان مقدورًا عليه من قبل، لأن سليماني لم يكن شخصية مطلوبة كالبغدادي، ولكنّ الحسابات كانت بأنه ما دام رأس الحربة في الحروب الأهلية في الدول العربية فلماذا نوقفه؟ لكن يبدو أن مهاجمة أهداف أميركية في العراق، شجع ترامب على أن يستفيد من هذه الحالة وتسجيل إنجاز سيستثمره هو وصديقه نتنياهو انتخابيًا.

يجب أخذ تهديدات إيران بجدّية، فهي قادرة على إيذاء أميركا، ولكن هناك فرق بين الإيذاء والحرب الشاملة، بإمكانها قصف قواعد أميركية في المنطقة، وقادرة على امتصاص ضربات أميركيّة محدودة، ولكن هذا لا يعني اشتعال حرب عالمية ثالثة، لأن الحرب العالمية تدور بين قوى متكافئة بالسلاح والعتاد والرجال، وبمشاركة أحلاف من دول عدة من كل جانب، أما بين أميركا وإيران فهناك هوة في القوة العسكرية لا يمكن ردمها في العقود القريبة القادمة، ولن يكون لإيران أي حليف في الحرب إلا حزب الله، وربما بعض صواريخ يطلقها الجهاد الإسلامي في قطاع غزة، وطبعًا ستواجه برد إسرائيلي قويّ.

أعرف أننا تواقون لنصر على أميركا، ونطمح بأن نرى قوة بغض النظر عن هويتها الدينية أو القومية تتحدى أميركا، ولكن بين الرغبة والواقع هناك بون شاسع.

لقد ظن البعض أن أميركا ضعُفت أمام إيران عندما قامت قوات إيرانية خاصة باختطاف ناقلات نفط من مياه الخليج، ولكن الحقيقة هي أن أميركا أرادت لإيران التورط أكثر وأكثر، كي تقيم حلفًا دوليًا متماسكًا إلى جانبها، وهي عملية تعويم للقدرات الإيرانية، كي تحلّل تدمير هذا البلد، أو تحجيم قدراته وتركيعه كما حصل للعراق من قبل.

الشعب الإيراني في وضع اقتصادي رديء بعد الحصار الطويل، وليس لديه أي دافعية لحرب واسعة بلا هدف ولا عنوان، والمشاعر القوميّة الفارسية أو الخمينية المذهبية مهما كانت قوية، فإن خيارها لن يكون مواجهة مع أقوى قوة عسكرية في العالم.

أميركا ليست قوات سعودية أو إماراتية، ولا هي قوات محدودة التسلح مثل المعارضة السورية، وليست جماهير عزلاء من الشعب العراقي، ولا هي جماهير انتفاضة لبنان التي ضُربت بالعصي والجنازير.

أميركا إمبريالية عدوانية شرسة، ما زالت تملك زمام المبادرة العسكرية على نطاق الكرة الأرضية، ولا تستطيع لجمها وصدّها سوى قوى تملك صواريخ نووية عابرة للقارات مثل الصين وروسيا، تهددها في عقر دارها.

إيران قوية مقارنة بدول المنطقة مثل سوريا والعراق واليمن وتركيا وكردستان والسعودية، أما قبالة أميركا، فهي قادرة على توجيه ضربات موجعة لبعض الأهداف الأميركية في المنطقة، ولكن قيادتها تعرف أن الثمن باهظ وسيكون أضعافًا مضاعفة، وقد يرتد عليها إذا اتسعت المواجهة لتكون بداية نهاية النظام الخميني، وعليه فهم ليسوا حمقى، ولن يستطيعوا المراهنة على غيبياتهم مهما غالوا فيها في مواجهة أميركا.

تصريح ترامب بأنه سيرد بضرب 52 هدفًا في إيران وأنه لن يستثني منها مواقع تاريخية، فيه تلميح إلى مواقع مهمة جدًا، والأرجح أنها مواقع نووية.

أميركا دولة عظمى كرّست قدراتها للعدوان ولم تكن يومًا حمامة سلام، ولكن هذا لا يعني أن كل من تضربهم أميركا هم حمام زاجل، فإيران أيضًا لها أطماعها القومية والتوسعية، سواء بدافع قومي فارسي أو مذهبي خميني، وكلاهما خياران مرفوضان لدى الشعوب العربية.

حشر الموقف السياسي في الثنائية الساذجة، إما مع إيران الخمينية أو مع الإمبريالية الأميركية، هو خطأ مقصود أو ساذج يفتقر إلى الموضوعية، فكلاهما له أطماعه، وكلاهما ملطّخ اليدين بدماء شعوب المنطقة، وكلاهما يزعم محاربة الإرهاب، وكلاهما دعم أنظمة تمارس إرهاب دولة ضد شعوب المنطقة، وكلاهما نظامان مغرقان في الرجعية والعدوانية.

الخمينية فكر غيبي يحاول فرض نفسه على محيطه العربي والإسلامي، وديمقراطية أميركا لا تفهم سوى مصالحها، ولو كانت على أنقاض البشرية كلها.

في المحصلة، لن تنشب حرب ثالثة ولا حتى اثنتان ونصف، ولكن إيران سوف تتحين الفرصة لرد ماء الوجه في ضربات محدودة هنا أو هناك، وسوف تردّ أميركا بضربات مماثلة محدودة وموجعة، وهذا الرد ورد الفعل قد يستمر طويلًا، إلى أن تتغير القيادة في إحداهما أو في كليهما.

 

نقلا عن "عرب ٤٨"