النجاح الإخباري - بقلم/ د. محمد عبد الفتاح شتيه

إن سياسة الاستيطان التي تتبعها دولة الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، سياسة مسعورة، تبتلع الأرض الفلسطينية دون أدنى تقدير لقيام دولة فلسطينية، بل أنها ترفض قيام هذه الدولة، وفي كل يوم تعلن دولة الاحتلال عن مخططات جديدة لإنشاء وتوسيع مستوطناتها، وإحلال المهاجرين اليهود مكان السكان الأصليين، لدرجة أن دولة الاحتلال أصبحت تنتقم من الخطاب السياسي الفلسطيني بزيادة وتيرة الاستيطان وتوسيع مستوطناتها القائمة تمهيدا لضمها لدولة الاحتلال باعتبارها جزءا منها، دون أي تحرك من المجتمع الدولي الذي يقف شاهدا على هذه الجريمة النكراء، التي تهدد السلم والأمن الدوليين.

مما حدا بوزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أن يعلن أن امريكا لم تعد تعتبر المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة "غير متسقة مع القانون الدولي"، أي بمفهوم المخالفة ترى الولايات المتحدة أن الاستيطان يتماشى مع قواعد وأحكام القانون الدولي!! وكأن جريمة الاستيطان مجرد مسألة ثنائية بين إسرائيل وفلسطين!! لكن في الحقيقة هي مسألة دولية تهم كافة أطراف المجتمع الدولي، لما تمثله من تهديد للسلم والأمن الدوليين، باعتبارها جريمة حرب.

وفي ضوء هذا التصريح لبومبيو صدحت الأصوات الفلسطينية وبعض العربية والأوروبية بالشجب والاستنكار والإدانة لهذا الصوت النشاز، لكن هل هذا يكفي للجم امريكا وإسرائيل عن المُضي في المخطط الاستيطاني وضم الأراضي الفلسطينية المحتلة لدولة الاحتلال؟!!

إن مواجهة أمريكا وإسرائيل يقتضي توافر الإرادة الدولية الحقيقية والفاعلة على المستوى الإقليمي والدولي للجم دولة الاحتلال ووقف مخططاتها الاستيطانية وإجبارها على تحمل مسئولية أعمالها المخالفة للقانون الدولي، ومساءلة الفاعلين والشركاء عن جريمة الإستيطان أمام المحكمة الجنائية الدولية.

فعلى المستوى الإقليمي مازال الأمل معقودا على جامعة الدول العربية باعتبار أنها أنشئت لمساعدة الشعب الفلسطيني في نيل حقوقه وتقرير مصيره، وكذلك الحال بالنسبة لمنظمة التعاون الإسلامي التي تمتلك طاقات بشرية ومادية هائلة يمكن استثمارها في مساندة الشعب الفلسطيني.

وعلى المستوى الدولي فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة يمكن لها استنادا الى التعهدات والإلتزمات التي التزمت بها إسرائيل عند تقديمها لطلب الانضمام لعضوية الأمم المتحدة، والتي تم تأكيدها من الجمعية العامة في قرارها المتعلق بالموافقة على قبول عضوية إسرائيل في المنظمة الدولية، مما جعل من عضوية  إسرائيل عضوية مشروطة ومعلقة في بقائها واستمرارها على مدى احترام إسرائيل لأحكام ومبادئ القانون الدولي.

كما أن هذه المواجهة للإستيطان تكون باللجوء إلى طلب فتوى من محكمة العدل الدولية حول شرعية الاستيطان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية مما يعزز الموقف القانوني الفلسطيني أمام الغطرسة الأمريكية الإسرائيلية.

واخيرا الطلب إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بمباشرة التحقيق الأولي حول جريمة الاستيطان باعتبارها جريمة حرب ، تلقي بالمسؤولية الجنائية الدولية على القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين وعلى كل من يقدم الدعم للمستوطنات، بل أن وجود المستوطنين على الأرض الفلسطينية جريمة حرب بحد ذاتها مما يقتضي ملاحقتهم جنائيا.

وأما مجلس الأمن فإن اللجوء إليه ليس إلا مضيعة للوقت، ففي 18 نوفمبر2011 استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية لحق النقض "الفيتو" ضد مشروع قرار ينتقد التوسع الاستيطاني الإسرائيلي.

فمهما كان الطريق طويلا وشاقا لتقرير المصير يبقى ممكنا أمام إرادة الشعب وقوة الحق الفلسطيني، فالنصر لقوة القانون الدولي ولو بعد حين.

 

أستاذ القانون العام المساعد ـــــ جامعة الاستقلال