عبد الناصر النجار - النجاح الإخباري - زيت الزيتون الفلسطيني له شهرته، لكن أسعاره تتفاوت، فهناك الزيت الثقيل (كثافته مرتفعة)، وهو إنتاج جنوب الضفة، وهناك الخفيف، إنتاج شمال الضفة، وهناك الزيت البكر والأكسترا، أي المستخدم في المعاصر الباردة.. لكن أغلى أنواع الزيت هو زيت بيت جالا، أما أيها أجود صحياً فلا معلومات حقيقية، وقد يختلف الأمر من شجرة إلى أخرى ومن حقل إلى آخر.

يبدو أن الانتخابات الفلسطينية العامة ونقصد التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني مثل أنواع الزيت.. فهناك آراء مختلفة ومتباينة حولها، فهناك من يؤيد إجراء الانتخابات بشدة، وهناك من يتحفظ أو لا يرى ضرورة لإجرائها مثل حركة الجهاد بل البعض يرى أن مخاطرها أكبر من منافعها.
وهناك من يدعو إلى انتخابات على مراحل تبدأ بالمجلس التشريعي، ثم الرئاسة، ثم المجلس الوطني، وهناك من يصر على أن تكون الانتخابات متزامنة، وهناك من يريد أن تجري وفق النظام النسبي بالكامل والبعض يرى أن من الأفضل أن تكون فردية، وآخرون يدعون إلى النظام المختلط ويختلفون على النسب... بمعنى أن الثقة لا تزال مهزوزة بين أطراف "الصراع" حول الانتخابات المستحقة منذ نحو عقد من الزمن.

الانتخابات تعني تحريك العجلة المسننة للحياة الديمقراطية، وحتى تسير العجلة بشكل جيد دائماً فهي بحاجة إلى الزيت حتى يقل الاحتكاك وتسير العجلة بشكل جيد.

منذ سنوات ونحن نسمع أنه عندما يرتفع الصوت المطالب بالانتخابات، لا أحد يرفض وخاصة الحركتين المسيطرتين في الضفة والقطاع (فتح وحماس)، ولكن أيضاً الكل يريد هذه الانتخابات على "مقاسه"، وإن لم تكن على المقاس فلا داعي لها، والبعض يرى في الانتخابات عود ثقاب يستخدم لمرة واحدة.

منذ قرار المحكمة حل المجلس التشريعي والدعوة لإجراء انتخابات عامة خلال ستة أشهر (طبعاً انتهت)، بدأ أكثر من حجر يقذف في مياه راكدة وآسنة منذ فترة طويلة.

لجنة الانتخابات المركزية لعبت وما زالت دوراً مهماً، والكل يشهد بنزاهة هذه اللجنة وقدرتها الفائقة على الإشراف على الانتخابات وتنظيمها، ولعل انتخابات العام 2006 هي أكبر دليل على ذلك، ثم انتخابات المجالس المحلية.

رئيس اللجنة الدكتور حنا ناصر أكد أكثر من مرة جاهزية لجنة الانتخابات، وكأنه يقول إن المشكلة هي في أصحاب القرار في ظل حالة الانقسام في الضفة والقطاع.

ولكن يبدو أن هناك تغيراً في الوضع القائم بعد قرار الرئيس إجراء الانتخابات واستقباله الدكتور حنا ناصر والإيعاز له ببدء العمل.
لا شك في أن لجنة الانتخابات أيضاً تعي كم المشاكل السياسية الكبيرة والعوائق المتعددة في طريق الانتخابات، ومنها عوائق داخلية وأخرى خارجية وإقليمية إضافة إلى الاحتلال.

ومع أن دور لجنة الانتخابات فني فقط، فإن اللقاءات التي تجريها مع الفصائل والقيادات وحتى المجتمع المدني هي بمثابة إضافة زيت للعجلة المحركة.

الاجتماع الأخير للدكتور حنا ناصر مع قيادة حركة حماس كان بحاجة إلى عبوة زيت ربما من النوع البكر، الذي لم يبخل به الدكتور ناصر، بحيث أهدى زعيم حركة حماس إسماعيل هنية زجاجة زيت ربما تكون من البكر الإكسترا لتسهيل دوران العجلة، وربما هذا ما حصل.
فقد جاءت نتائج اجتماعات غزة مبشرة نوعاً ما، أو مبشرة بحذر شديد، لأنه منذ سنوات لا أحد يرفض إجراء الانتخابات ولكن الرفض كان على قاعدة شكل هذه الانتخابات وطريقة إجرائها وهل هي متزامنة أم غير ذلك.

هناك ثلاث نقاط مهمة في لقاءات غزة وهي أن "حماس" قبلت إجراء الانتخابات بشكل متزامن ليس مشروطاً باليوم نفسه، بمعنى آخر هي قبلت إجراء الانتخابات التشريعية ثم الرئاسية بعد ثلاثة أشهر، وتوقفت عن الحديث عن إجراء انتخابات المجلس الوطني، خاصة أن انتخابات المجلس الوطني يجب أن تجرى أيضاً في الخارج مثل لبنان وسورية والأردن ومصر وغيرها، وربما تعقيدات إجراء هذه الانتخابات أكبر بكثير من قدرتنا على إجرائها في الوقت الحاضر، ولا نريد التحدث عن الحساسية الكبيرة في الخارج حول أي انتخابات فلسطينية.

بمعنى آخر، زيت الدكتور ناصر ساهم في حلحلة الوضع، وربما إزاحة جزء من الصدأ المتراكم على عجلة الانتخابات، ولكن هل هذا كاف أم أن التعقيدات والعراقيل ستظهر شيئاً فشيئاً؟ وهل هناك حلول خلاقة تسمح بإجراء هذه الانتخابات من أجل تجديد الشرعية أمام العالم الذي أصبح يشكك في شرعياتنا بسبب عدم قدرتنا على إجراء الانتخابات دورياً والقبول بنتائجها.

لا شك في أن المعيقات كبيرة، والمطبات المصطنعة كثيرة، وعلى الرغم من ذلك فإذا خلصت النوايا وكان الهدف عودة الروح إلى الحياة الديمقراطية الفلسطينية بمفهومها الحقيقي ربما سننجح، أما إذا ظل الانقسام سيد الموقف فنتائج الانتخابات حتى لو حصلت ستكون صعبة التحقيق على أرض الواقع.

نحن بحاجة إلى ضمائر صافية كزيت الزيتون الحر وليس المغشوش بزيت خارجي ونكهات إقليمية!