الدكتور ناجي صادق شرّاب - النجاح الإخباري - الانتخابات آلية من آليات إقامة نظام الحكم الديموقراطي ، ولها أكثر من جانب: الأول انها تجسد الإرادة الشعبية، أي أن الشعب مصدر للسلطة القائمة، ومن ناحية أخرى يتم من خلالها تطبيق مبدأ تداول السلطة السياسية والسماح لجميع القوى السياسية بالمشاركة.

وهذا مبدأ في غاية الأهمية فلسطينيا، فهو ينفي أي حجة أمام القوى السياسية بعدم المشاركة والمساهمة المباشرة في عملية صنع القرار. ويتيح ذلك في الوقت ذاته المشاركة الأوسع ويؤسس لمعارضة سياسية حقيقية وشرعية.

والأصل في الإنتخابات هدفها التأسيس لنظام حكم ديموقراطي بثقافة ومنظومة قيم تؤمن بالقيم المدنية والسلمية والإنسانية ، وكفالة كافة الحقوق لجميع المواطنين. فمن خلالها يتم حل كل المشاكل التي تواجه الحالة السياسية الفلسطينية المعقدة، والأهم أن قيام نظام حكم ديموقراطي يعتبر أحد أهم الخيارات الفلسطينية لإنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، ويدحض مقولات إسرائيل السياسية أن الفلسطينيين ليسوا مؤهلين لحكم أنفسهم، وتكشف عن الوجه الاحتلالي والممارسات اللاأخلاقية التي تمارسها إسرائيل في إعتقال وخنق وحصار الشعب الفلسطيني ، وتسقط الأساس الأخلاقي والديموقراطي الذي تتمسك به إسرائيل.

من هذا المنظور تعتبر الانتخابات خياراً حتمياً، ليس فقط لتجديد الشرعية السياسية لكافة مؤسسات السلطة السياسية بل أنها تؤسس، وهذا أمر مهم، لمؤسسات الدولة الفلسطينية.

ومن ناحية أخرى نستحضر هنا النموذج الجنوب أفريقي والذي أدى في النهاية لنيل حق تقرير المصير للأغلبية السوداء وقيام دولة جنوب افريقيا كنموذج ديموقراطي.

الانتخابات في الحالة الفلسطينية لا بديل عنها ، ولا تقل أهمية عن الخيارات السياسية الأخرى من مفاوضات ومقاومة سلمية ، بل يمكن القول انها توفر المرجعية السياسية الملزمة لكل الخيارات الفلسطينية التي تصبح حقاً جماعياً وليس فصائليا. والسؤال هل يملك الفلسطينيون المؤهلات السياسية لممارسة الانتخابات النزيهة والشفافة ؟.

نعم، الشعب الفلسطيني يملك مستوى تعليم مرتفع، ودرجة عالية من النضج السياسي، ولقد مارس الفلسطينيون الانتخابات على درجات ومستويات مختلفة في الداخل والخارج كما في الإنتخابات الطلابية والنقابية المتعددة.

قد يفتقر الفلسطينيون للبيئة السياسية التي تسمح بإجراء الانتخابات، والإشكالية الكبرى التي تواجه أي انتخابات فلسطينية قادمة الاحتلال الإسرائيلي.

وقبل تحليل العلاقة بين الانتخابات والإحتلال، لا بد من الإجابة على سؤال: هل فعلا يريد الفلسطينيون الانتخابات؟ وما هو هدفهم من هذه الانتخابات؟.

لقد مارس الفلسطينيون الانتخابات العامة مرتين ويسجل لهم أنها كانت انتخابات نزيهة وشفافة ، وتم التسليم بنتائجها، لكن الغاية والهدف إتسمت بالضبابية والغموض والتناقض ، فمن ناحية الانتخابات الأولى والتي جرت لأول مرة عام 1996، بعد توقيع إتفاق أوسلو ، ومرجعيتها هذا الاتفاق بمعنى لا يجوز أن يكون البرنامج السياسي للقوى المشاركة نقيضاً لها، فكانت الغاية إنشاء لسلطة فلسطينية ملتزمة بإتفاق أوسلو ، والإعتراف بإسرائيل كدولة.

ولا أعتقد ان الغاية الرئيسة كانت إنشاء نظام ديموقراطي كما أشرت، يؤسس لدولة ديموقراطية لأن إسرائيل لا تريدها، ولهذا إقتصرت الانتخابات الأولى التي فازت فيها «فتح» بأغلبية الثلثين على مشاركة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ، بعبارة أخرى الانتخابات الأولى كانت مجرد تدوير لمنظمة التحرير الفلسطينية ، ولم تشارك فيها "حماس" وغيرها والتي رفضت شرعيتها وأعتبرتها أمرا محرما.

هذه الانتخابات فشلت في تحقيق الغاية من الانتخابات ذاتها من حيث مبدأ تداول السلطة ، ومن حيث التأسيس لنظام حكم ديموقراطي.

والإنتخابات الثانية جرت عام ٢٠٠٦بمشاركة حركة حماس ، وفوزها بأغلبية مريحة في المجلس التشريعي تسمح لها بتشكيل الحكومة ، وفي الوقت ذاته فازت حركة فتح بإنتخابات الرئاسة. هذه الانتخابات وبدلا من أن تؤسس أيضا لحكم ديموقراطي ومشاركة سياسية ، والتوافق على برنامج سياسي كانت بداية للإنقسام والإنقلاب على الانتخابات ذاتها، لتبدأ مرحلة سياسية جديدة بعيدة ببيئتها السياسية عن أي انتخابات قادمة.

وإشكالية الإنتخابات الثانية كما الأولى ان كلاً منهما أدت لتأصيل الظاهرة الفصائلية على حساب النظام السياسي نفسه، وفي هذا السياق يمكن القول ان الانتخابات قد فشلت في تحقيق الغاية والهدف منها وكانت حماس تريدها لمرة واحدة، وما أخشاه أن إسرائيل ساهمت في إنجاح هذه الانتخابات حتى تصل لمرحلة الإنقسام الحالية.

واليوم فإن التساؤل وبعد حل المجلس التشريعي والذهاب لتشكيل حكومة جديدة، وهو ما يعني غياب الشرعية السياسية بكل صورها، هل يمكن إجراء الإنتخابات الثالثة، والسؤال ثانية ما هي السيناريوهات المحتملة؟

الأول عدم إجراء الانتخابات ، ومن ثم تأصيل لظاهرة الإنقسام وتحولها لبنية سياسية منفصلة، والسيناريو الثاني إجراء الانتخابات وهو سيناريو مستبعد تماما لنفس الأسباب التي تحول دون إجرائها.

والسيناريو الثالث إجرائها في الضفة الغربية ، والبحث عن وسيلة لسكان غزة للمشاركة ، وهو سيناريو أيضا إحتمالاته ضعيفة، لكن نتائجه خطيرة في إنهاء القضية الفلسطينية، وتنفيذ ما تبقى من "صفقة القرن" ، بقيام الدولة في غزة ، وربط الضفة إقليمياً بالأردن مع درجة عالية من الحكم الذاتي.

وأخيرا فإن رفض الانتخابات تأصيل لظاهرة الإنقسام وتحولها لحالة من الإنفصال السياسي الرسمي.

عن القدس الفلسطينية