خلف خلف - النجاح الإخباري -  

لقد تحول فيسبوك إلى أقوى رئيس تحرير في العالم ! بعدما تمسّكن حتى تمّكن، وبات يحدد ماذا يظهر أمامنا من منشورات ومتى تظهر، وازداد الخطر كوننا اصبحنا نستقي منه مجمل المعلومات والأخبار، ومكمن المصيبة ليس هنا بقدر ما هو قدرة البعض على حثنا على رؤية أخبار بعينها من خلال تمويلها ووصولها لشاشات حواسيبنا وجوالاتنا إجباريًا. 

وهذا الموقع الذي يجني مليارات الدولارات كارباح، لا يقوم بجهد "عظيم"، بل يستغل مستخدميه البالغ عددهم نحو 2 مليار في انتاج المضمون، حيث تشير الدراسات أن كل مستخدم يقضي نحو 43 دقيقة على فايسبوك يومياً، وبالتالي نحن جميعًا نعمل عند "مارك زوكربيرج" دون أجر.

فانت مع كل نقرة على فيسبوك تكشف عن مجال اهتماماتك، ويقوم الموقع ببيع هذه بياناتك لشركات اخرى من اجل استهدافك في اعلاناتها.

لذلك تعاني الآن كبرى وسائل الإعلام من خطورة فيسبوك، فهو يواصل سرقته لزوارها عبر تقنية "الإعلانات المستهدفة" والإلهاء، فالموقع يخدر مستخدميه: "نحن نأتيكم بالخبر اليقين، فلا تذهبوا لأي مكان آخر، ابقوا هنا".

يضاف إلى ذلك أن فيسبوك تحول إلى نظام لاستقاء الأخبار وبث الفيديو والدردشة، وكل ما يريده المستخدم ويتمناه. 

لقد خدع القائمون على الموقع، كافة وسائل الإعلام، ونصب الشراك لها، ففي البداية سمح بظهور الروابط الإخبارية دون محددات، فاستفادت المواقع الإخبارية من ذلك بجلب الزوار لصفحاتها بشكل مهول، وعندما اعتادت هذه المواقع على هذه الآلية التي كانت تعمل بشكل مدهش، انقلب فيسبوك عليها، وعمل على تحديد نسبة الظهور للمنشورات المعتمدة على روابط، رافعاً إستراتيجية "الدفع قبل الرفع" في وجه أصحاب المواقع الإخبارية: "مولوا روابط أخباركم حتى تصل للجمهور"، وطبعاً الموقع برر ذلك بحجة أنه شبكة اجتماعية، وعليه فالأولوية للظهور في "تايم لاين" المستخدم هو لمشاركات العائلات والأصدقاء والأقارب.

ولتضيق الخناق أكثر على المواقع الإخبارية، اختبر فايسبوك ميزة منع مسؤولي الصفحات من تعديل الصور والعناوين والوصف الخاص بالموضوعات بعد نشرها.
وكان في السابق يسمح لمديري الصفحات تغيير العناوين لجعلها أكثر جاذبية للجمهور، وتذرعت فيسبوك أن هذه الخطوة تهدف إلى مكافحة الأخبار الوهمية.

كما يعمل فيسبوك على إعطاء أولوية ظهور روابط المواقع السريعة، وهذا الأمر بدأ يؤثر بشكل كبير على المواقع الإخبارية الضخمة، والتي تحتاج إلى وقت كي تفتح صفحتها بسبب زخم الموقع ومضمونه.

يقول ادوارد سنودن: "لقد أصبحنا نعتمد بصورة كبيرة على الفيسبوك كمصدر للأخبار. شركة واحدة لديها القدرة الكافية لإعادة تشكيل الطريقة التي نفكر بها، لست بحاجة لشرح مدى خطورة الأمر".

وسحبت وسائل التواصل الاجتماعي وابرزها فيسبوك بساط الإعلانات من تحت اقدام المواقع الإخبارية التي باتت مجبرة على ضخ أموالها على فيسبوك وتويتر كي تحصل على زوار ! ولذلك لجأت صحف عالمية كبرى إلى نظام الحزم المدفوعة، بمعنى تحويل مضمونها إلى مدفوع، فمثلاً كي تقرأ أكثر من مقالة في الأسبوع على صحيفة الديلي تلغراف، عليك دفع 2 يورو على الأقل.

هذا النظام الذي تتبعه صحف ومواقع أجنبية لا يمكن تطبيقه عربياً، بالتالي فهناك أزمة حقيقة، لجملة أسباب، غالبية المضمون الذي تقدمه وسائل الإعلام العربية يفتقر للجودة المطلوبة، كذلك ثقافة الشراء الإلكتروني عبر الفيزا غير منتشر بشكل كبير، ويضاف إلى ذلك الافتقاد إلى الضوابط القانونية، إذ تنفق وسيلة إعلام معينة جهدًا ومالاً على إنتاج مادة صحافية معينة، وبعد نشرها تجد معظم المواقع الإخبارية نقلتها دون ذكر المصدر.