اشرف العجرمي - النجاح الإخباري - طرح حزب «الليكود» الحاكم، أول من أمس، من خلال النائبين الوزير إسرائيل كاتس ويوآف كيش على طاولة الكنيست مشروع قانون القدس الكبرى الذي ينص على ضم مستوطنات كبرى وهي: «معاليه أدوميم» و»غفعات زئيف» و»غوش عتصيون» و»أفرات» و»بيتار عليت» إلى حدود بلدية القدس، وتضم هذه المستوطنات حوالى 150 ألف مستوطن، وفي المقابل سيتم إخراج مناطق مخيم شعفاط وعناتا وكفر عقب البالغ عدد سكانها حوالى 100 ألف مواطن فلسطيني من حدود البلدية. 
وهكذا ستضمن إسرائيل أغلبية يهودية مطلقة وكبيرة في التصويت لانتخابات البلدية، وفي نفس الوقت تثبيت أمر واقع جديد يتحايل على القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي ترفض ضم إسرائيل لأي أراضٍ محتلة.
ضم المستوطنات إلى القدس يمثل خطوة في طريق فرض السيادة الإسرائيلية على مناطق في الضفة الغربية، وهو يمثل تصعيداً إسرائيلياً خطيراً في مسألة فرض الأمر الواقع الجديد الذي يلغي تماماً فكرة حل الدولتين. 
ولا شك أن القادة الإسرائيليين يعلمون أنه دون القدس لا تسوية ولا نهاية للصراع بين الطرفين، وليس فقط بين الفلسطينيين والإسرائيليين بل بين كل العالم العربي والإسلامي وبين إسرائيل. 
وإذا كانت إسرائيل تستند إلى قوتها الحالية في فرض حقائق مدمرة على الأرض فالقوة لا تدوم لأحد، وكم من ممالك وامبراطوريات ودول كبرى اندثرت بعد تغير موازين القوى التي تحكمها بجوارها.
نحن نشهد حالة من الصراع الداخلي الإسرائيلي حول من يكون يمينياً أكثر ومتطرفاً إلى حد العنصرية أكثر ومعادياً أكثر للحل السلمي وللتسوية القائمة على حل وسط وقبول الطرفين. 
وعندما يتبارى قادة اليمين في إسرائيل وخاصة قيادات «البيت اليهودي» و «الليكود» حول من يأتي بالوصفة الأشد يمينية وفتكاً بفرص السلام فهذا من المفروض أن يشعل الضوء الأحمر ليس فقط لدى الفلسطينيين، الذين يجب أن يتعاملوا مع الواقع الجديد بطرق مختلفة وأكثر نجاعة من الطرق التقليدية، بل وكذلك لدى الإسرائيليين الذين يفقدون تدريجياً بعضاً من القيم التي كانت تتباهى بها دولة إسرائيل، التي تدعي أنها تنتمي إلى العالم الديمقراطي المتمدن، لأن دولتهم ذاهبة نحو الفاشية. 
فمن يرضى بالاحتلال وقمع شعب آخر لأكثر من خمسين عاماً سيكون هو ضحية لقمع داخلي من نوع آخر لا يسمح بتعدد الآراء والاختلاف مع الموقف السائد والمهيمن. 
وهذا ما يحصل مع من يتمتع بالاتزان والعقلانية، فهؤلاء أصبحوا خونة ومتعاونين مع العدو.
من حق نفتالي بينيت و»البيت اليهودي» أن يفاخروا بأن ما كانوا ينادون به وكان يمثل موقف أقلية في الكنيست والحكومة أصبح الموقف العام للحكومة، وأصبح «الليكود» ينافسهم ويذهب أبعد نحو اليمين والتطرف. 
فبينيت طالب في السابق بتغيير قانون القدس حتى يكون بمقدور إسرائيل ضم مناطق جديدة إليها، واليوم يذهب «الليكود» إلى ما هو أبعد بتشريع الضم الفعلي وشطب خيارات الحل.
لم يعد من الممكن بالنسبة للفلسطينيين أن يظلوا صامتين على ما يجري من حولهم وخاصة التلاشي التدريجي والثابت لفكرة حل الدولتين في ظل تهويد القدس والاستيطان المكثف في الضفة الغربية، ومحاولات ضم المستوطنات من جانب واحد إلى إسرائيل. 
وهناك حاجة لبحث عميق وجدي لخيارات وبرامج عمل جديدة لمواجهة هذا الغول اليميني المتوحش والمنفلت من عقاله الذي لا يستمع لصوت أحد، لا المجتمع الدولي ولا الحلفاء ولا حتى لأصوات اليهود العقلاء الذين يحذرون من إدامة الصراع وتحويله إلى صراع أبدي، بنقله من صراع على الأرض والمطالب القومية إلى صراع ديني لا يعرف الحل. 
وهناك مساران للعمل، واحد على الجبهة الداخلية ويحتاج إلى الوحدة وترتيب البيت، واعتماد استراتيجية مقاومة موحدة فعالة وليس بالضرورة عنيفة، ومسار خارجي على الحلبة الدولية. 
وعندما لا تجد مناشدات الفلسطينيين صدى لدى العالم الذي يكتفي بالتعبير عن الشجب والإدانة ولا يفعل ما يكفي للضغط على إسرائيل ودفعها للتوقف عن سياستها التي تأكل الأخضر واليابس، ولا تبقي مجالاً حتى للتفاوض، ينبغي عليهم أن يغيروا سياستهم بابتداع وسائل مقاومة سياسية أكثر جدوى، والقيام بحملات واسعة النطاق على المستوى الدولي للتعريف بمخاطر السياسة الإسرائيلية لدى الرأي العام ولدى الحكومات المؤيدة والمعارضة لإسرائيل.
ويجب أن يقلق الفلسطينيين كذلك تراجعُ بعض الدول عن مواقفها التقليدية تجاه إسرائيل كالهند على سبيل المثال. 
وحتى عندما يصوت العالم لصالحنا كالتصويت في منظمة اليونسكو لصالح القدس والخليل، ينبغي أن نرى تراجع تأييد بعض الدول بالامتناع عن التصويت أو التصويت ضد. 
وهنا نحن بحاجة لتجديد علاقاتنا وصلاتنا مع مختلف المجموعات الدولية بما فيها الدول التي تؤيد الحق الفلسطيني بشكل تلقائي، فالقيادات السياسية في هذه الدول تتجدد وتتغير وليس الجميع يدرك ما يجري في منطقتنا، عدا أن الدبلوماسية الإسرائيلية تنشط بصورة مكثفة وتبذل جهوداً جبارة لتغيير صورة إسرائيل في العالم، والدبلوماسية الفلسطينية غائبة، وسفراؤنا في العالم لاهون في معظمهم بأشغالهم ومصالحهم الخاصة، وغير قادرين حتى على توحيد الجاليات الفلسطينية قبل أن تجندهم وتعمل معهم على فضح سياسة إسرائيل وتحقيق الدعم المطلوب للقضية الفلسطينية.