وكالات - صادق الشافعي - النجاح الإخباري - حوالي الشهر هو ما يفصلنا عن الذكرى السنوية الأولى للحرب الروسية في أوكرانيا.
ورغم أن هذا الزمن ليس قليلا، ورغم أن أوار الحرب ومعاركها وويلاتها تستمر وتتواصل ويزداد عنفها واتساعها ومعه ديمومتها وخسائرها وتعقيداتها. رغم ذلك فإنه، لا توجد حتى الآن، محاولة جادة ووازنة ومشروع متبلور يقود إلى وقف القتال والذهاب إلى مفاوضات سلمية لإنهاء القتال والتوصل إلى اتفاق حل، بل ولا يلوح في الأفق أي مشروع جاد للوصول إلى ذلك.
هذا الحال يثير أسئلة حراقة:
السؤال الأول، هل أخطأت روسيا الحساب حين بدأت حربها على أوكرانيا مكتفية بالارتياح إلى والاعتماد على الخلل الكبير الواسع والواضح لصالحها في ميزان القوى العسكري المباشر بينها وبين أوكرانيا.
وهل أخطأت روسيا الحساب في تقديرها لاحتمالات عامل التدخل الغربي بشكل عام ودول «الناتو» بشكل خاص، وفي حجم هذا التدخل ووزنه مصحوبا بتعبيراته وأدواته المناسبة والأكثر فاعلية. لكن حضور وفعل هذا العامل وتأثيره العالي جدا، وربما الحاسم قد تأكد في ارض المعركة. كما تأكد في تفاصيلها القتالية، وكما في تفاصيلها السياسية، والاقتصادية أيضا.
يقابل هذا السؤال المذكور سؤال مقابل ومن نفس الوزن والجدية والفاعلية تقريبا:
هل كانت دول الغرب بقيادة الولايات المتحدة تنتظر هذه اللحظة – لحظة الحرب الروسية على أوكرانيا - لترمي بكل ثقلها السياسي والعسكري والاقتصادي والمالي إلى جانب أوكرانيا لتحقيق هدف محدد وواضح واستراتيجي وهو إيقاع الهزيمة بروسيا؟
ولها من وراء ذلك هدف مركزي واستراتيجي هو إلغاء حضور روسيا ودورها ووزنها العالمي بوصفها القطب العالمي الثاني المقابل للقطب الأميركي. وليتحقق لأميركا بذلك الانفراد بموقع ودور القطب العالمي الوحيد والمدعوم من دول الغرب، ومن دول حلف «الناتو» بالمقام الأول. ولتتفرغ بعد ذلك للتعامل المناسب مع الصين، القطب العالمي الصاعد بطموح وبقوة اقتصادية بالدرجة الأولى وبشبكة تحالفات واسعة ومنتشرة وبحضور دولي واسع ومتصاعد.
يفسر هذا السؤال المقابل المشار إليه ويعطيه درجة عالية من المصداقية تفاصيل الدور الرئيسي وربما الحاسم الذي تلعبه وتقوده الولايات المتحدة المستمر والمتواصل، بل المتصاعد في مجريات الحرب في أوكرانيا بالتوافق التام والتعاون المفتوح مع دول حلف الأطلسي ومع دول أوروبية أخرى.
ويلفت النظر أن التدخل والدعم الأميركي ومعه حلف «الناتو» لأوكرانيا لا يقتصر على الكرم والسخاء بلا حدود على الدعم بالأسلحة اللازمة وبكل أصنافها ومستوياتها وتخصصاتها، وبالتدريب عليها سواء على الأرض الأوكرانية وقريبا من ساحات المعارك، بل أيضا باستقدام المطلوب تدريبهم إلى أميركا وبلدان أوروبية بساحاتها ومراكز تدريبها ومدربيها إذا احتاج الأمر لذلك.
يلفت النظر إضافة إلى ما تقدم من أشكال الدعم والإسناد، اتساع دائرته لتشمل فرض الحصار على الاقتصاد الروسي ومنتجاته الرئيسة والأساسية التي يتم تصديرها، ويشكل مردودها المالي موردا وعاملا أساسيا في قدرة الاقتصاد الروسي.
كما يلفت النظر أن الأمر زاد على ذلك، فقد سعت أميركا وحلفاؤها لدى البنوك ومؤسسات التمويل العالمية لتوقف أو تقيد إلى الحد الأقصى الممكن تسهيلات التمويل والإقراض للاقتصاد الروسي ومؤسساته الاقتصادية. وذلك على طريق حصاره وإضعاف قدرة حركته الاقتصادية وما قد تحتاجه من تسهيلات تمويلية من البنوك والمؤسسات المالية العالمية.
حصل ذلك بالإضافة إلى محاولات ومساع حثيثة قامت بها وحققت نجاحا لا بأس به لوقف استيراد دول أوروبية - من «الناتو» وغيرها - منتجات روسية أساسية وضرورية لاحتياجات تلك الدول، وذات أهمية للاقتصاد الروسي في نفس الوقت.
حصل ذلك بالذات وبشكل خاص مع منتج الغاز الروسي رغم الحاجة العالية والأساسية له من عديد من الدول الأوروبية سواء في صناعاتها ومنتجاتها الأساسية، وأيضا في تدفئة بيوتها في شتائها القارس.
رغم بعض التخوفات التي طفت على السطح في بعض الظروف حول احتمالية اللجوء إلى استعمال السلاح النووي، فلا يبدو من سير المعارك وإيقاعها والجو المحيط بها حتى الآن أن هذه التخوفات على درجة معقولة من المصداقية ولا الاحتمالية والواقعية العالية.
ولذلك فقد تراجعت مثل هذه المخاوف بدرجة عالية.
لكن التراجع في هذا الحديث لا يمنع من العودة إليها في مسار المعارك وما قد تفرضه من احتياجات كما يبدو في تصريح قبل يومين لميدفيديف الذي يشغل منصب نائب رئيس مجلس الأمن الروسي إذ قال: إن «خسارة قوة نووية في حرب تقليدية يمكن أن يؤدي إلى اندلاع حرب نووية». وقال: «القوى النووية لا تخسر الصراعات الكبرى التي يعتمد عليها مصيرها، ويجب أن يكون هذا واضحا لأي شخص».
إنها الحرب تفرض ديناميتها ومواقفها، وهي لا تزال مستمرة ودون أي مؤشرات لاحتمالات جادة لوقفها ولا ضمانات لعدم توسعها ولعدم التطور في ديناميتها.
ولا يزال المجتمع الدولي ومؤسساته فاقدا - أو ممنوعا - من أي دور أو مبادرة.