وكالات - توفيق أبو شومر - النجاح الإخباري - مَن يُشاهد الطلاب وهم ينتقمون من كتبهم المدرسية بتمزيقها قطعاً صغيرة في كل الشوارع، وتحت حاويات القمامة عقب الانتهاء من الامتحانات، في بداية العام الجديد، يُدرك حجم كارثة التعليم في فلسطين، ويعلم أن مستقبل أبنائنا لا يُبشر بالخير! كنتُ أعتقد أن المنتقمين من الكتب هم فقط الكسالى!
سألتُ طلاباً كثيرين سؤالاً: هل تحب المدرسة؟ أجاب أكثرهم بالنفي، وخجل الباقون من أن يجيبوا بالنفي أيضاً!
إن سبب كره الطلاب لمدارسهم يرجع بالتأكيد إلى أركان أربعة، وهي: البناء المدرسي، والإدارة، والمدرسون، والمناهج المدرسية. هذه الأركان مجتمعة لا تحظى بالحد الأدنى من رضا الطلاب، لأن الأبنية المدرسية هي صورة مصغرة من (السجون) أسلاك الشبابيك الشائكة، وخلوها من المرفهات الباعثة على الإبداع مثل الملاعب وقاعات الأنشطة المختلفة. إن مخططات بنائها هي صورة مقتبسة من أبنية السجون!
هذا الكره ينصرف أيضاً إلى كثير من إدارات المدارس، المؤمنة بأن العقاب والتقريع والضرب الوسيلة الرئيسة للتهذيب، وأن مدير المدرسة  الآمر بالتعذيب والسجن!
أما عن معظم المدرسين فهم أيضاً سببٌ رئيس في كره أبنائنا للتعليم، لأنهم بسبب ضائقتهم الحياتية، وقلة مرتباتهم الشهرية اضطروا أن يتحولوا من معلمين موجهين وصائغي أجيال إلى تُجارٍ شنطة يبتزون (نزلاء السجون المدرسية) يبيعونهم شروحاتهم وكتبَهم حتى يحصلوا على الحد الأدنى من الحياة!
إن مهنة الدروس الخصوصية لم تعد ظاهرة عابرة، بل أصبحت القاعدة الرئيسة للنجاح والتفوق، وأصبح ذكاءُ الطالب هو الاستثناء، فمن يرغب في التفوق الحشوي الجالب للفخر الأسري عليه أن يشتري هذا التفوق من فم المدرس الخاص في كتب الشروحات، وملازم فقه حل أسئلة الامتحانات!
أما عن السبب الجوهري في كره أبنائنا للتعليم فيعود إلى المناهج المدرسية الحشوية، وهي في معظمها تهدف لتحدي عقول الأبناء، وكأنها صُمِّمَتْ أيضا لتحدي الآباء ممّن يُعلمون أبناءهم! يعتقد واضعو المناهج أن اختيار موضوعات الجَديَّة والصرامة في المناهج لا يتحقق، إلا بإبعاد أشعار المدح، والهجاء، والغزل، بحجة أنها تُزري بالأخلاق الحميدة! لذلك فإنهم يختارونه صعباً منفراً، وهذا يجعل أبناءنا يكرهون لغتهم وتراث آبائهم وأجدادهم، وينعتون هذا التراث بأنه تراث جامد لا يُلائم العصر الراهن!
كما أن تحويل مواد العلوم (العملية) إلى محفوظات (نظرية) وإغلاق معامل التجارب العلمية في المدارس، واعتبار الأحماض وآلات التجارب العلمية عهدة إدارية يجب تسليمها في نهاية العام بلا نقصٍ أمرٌ خطيرٌ ، يصب في الهدف نفسه، وهو أن يُقصى الإبداعُ والتفوق والنبوغ من أبنائنا، ما يُحبطهم ويزيدهم قهراً، فينفسون هذا القهر بتمزيق كتبهم وإزعاج أسرهم ومحيطهم!
إن هذه السياسة التعليمية كارثة وطنية تستحق أن تكون لها أولوية العلاج في فلسطين، بلد الثروة الثقافية والتعليم الراقي حينما كان الفلسطينيون في القرن الماضي يُصدرون خبرة المدرسين الواعين إلى دول العرب، ليقوموا بنقل تجاربهم إليها ويعززوا ثقافة أجيال العرب.
إن استخدام مناهج التعليم لتطويع الأبناء وإخضاعهم وإذلالهم ديكتاتورية تربوية مرفوضة ترجع إلى عصور الظلام!
تذكروا دائما أنَّ نضالكم السياسي والاجتماعي والاقتصادي يعتمد بالدرجة الأولى على النظام التعليمي والتربوي، وأنكم لن تتفوقوا في أي مجال إلا باعتماد سياسة تعليمية وتربوية جديدة!
لا وجود في عالم الألفية الثالثة لنظام تربوي وتعليمي هدفه الوحيد هو أن يحمل الأبناء شهاداتٍ عُليا، وأن يتفوقوا في مجموع درجات الشهادة (الثانوية) لغايات الفخر القبلي والاحتفالات بهذه الزفَّة السنوية! وأن يكون الهدف الرئيس فقط حصولهم على وظيفة حكومية رسمية، وعلى عروسٍ مجانية من الآباء!!