نابلس - حسن البطل - النجاح الإخباري - عددتُ لكم خطواتي من رأس «شارع الأيام» إلى أول ذيله، فاختلف عليّ العدّ يوماً عن يوم. إذا كانت 940 خطوة، ستقرؤون عموداً متورّداً، فإن أدركت الألف سيشيح بعضكم عينيه عن عمود شاحب.
حسبتُ لكم المسافة بين رأس «شارع الأيام» وبوّابة الجريدة. كان مهندسو السكك الحديدية يتركون ميلمترات قليلة بين قضبان السكة، فهي تتمدد بالحرارة وتتقلص بالبرودة.
إذا التقطني زميل بسيارته نزولاً إلى الجريدة، حظيتم بعمود بارد. تعودتُ 990 خطوة في المتوسط (جيئةً أو ذهاباً) أي 1333 متراً في المتوسط (جيئةً وذهاباً).
ومع احتساب مسافات سير يومية مضافة، فإن الدم في قلبي (الحبر الجاف في قلمي) والأكسجين في دماغي (تورد الأفكار أو ذبولها)، ينال حصته اليومية العالمية المتوسطة.
«الأيام» دَبكَت في سنتها الخامسة. وُلدت ليلة الميلاد 24/25 كانون الأول 1995.
أهديتها من وقتي «أطراف» نهاري، و»أطراف النهار» من قلمي، فأهدتني «جائزة فلسطين - المقالة الصحافية»، فهي التي رشّحتني، وهي التي كسب كتّابها أربع جوائز: اثنتين للمقالة الصحافية، واثنتين أخريين للرواية.
.. والطريق إلى «الأيام» أجمل من مكاتب «الأيام»، لأنني أغدو إليها وأروح منها، وأما في مكاتبها.. فأجلس:
«نغدو ونروح كل يوم وليلة / وعمّا قليل لا نروح ولا نغدو». طال عمركم.
«الأيام» زوجتي الثانية صحافياً. تنقيل القلب في مطارح الهوى مشروع، وأما تنقيل القلم فهو غير مشروع في عُرفي. وفي الزواج الصحافي الأول، بقيت مخلص القلم (المداد في مكان الودّ) عشرين عاماً .. إلى أن انتقلت الحبيبة الأولى إلى رحمته تعالى (أو ذمة تاريخ الصحافة الفلسطينية .. في المنفى).. «فليسهر القوم جراها ويختصمُ».
تعرض قلمي لغوايات الارتزاق المشروع، فاجتاز «التجربة» كما السيد يسوع عليه السلام، غير أن «الشبكة العنكبوتية» تصلني بابنتي في «رأس بيروت»، فتعاتبني عبر البريد الالكتروني: «متى ستكفّ عن الشَغَب يا أبي»، فأجيبها: «فكيف لي أن أزيد قسطي على قسط أمّك في أقساط دراستك الباهظة»؟
عليك أن تقطع 1333 متراً متوسطاً يومياً، ليدق قلبك (خاصة في «الطلعة» أثناء الرواح) .. وعلى حافة الطرق سبات النبات ويقظته، على مدار فصول العام.
في برنامج فرنسي عن «اكتشافات الحياة» أن حويصلة نبات «القثّة» تنفجر، بسائلها وبذورها، بسرعة متوسطة مقدرة بـ 55كم/ث. في اليوم التالي، فقست عدة بالونات من «القثّة». قلم، في الأقل، في جيب القميص؛ وفي جيب السروال «موسى صغير» للزهور البرية، وامتحان سليلوز سيقان النباتات.
***
الإنسان نبات حلمه.
لـ«الأيام» نباتٌ نهاري وآخر ليلي. بعض الزملاء كانوا بذوراً، صاروا شتلات أورقت.. وأزهرت؛ بعضهم الآخر انتقلوا بأقلامهم، ونقرات أصابعهم على مفاتيح «الحاسوب» إلى مجالات عمل أخرى.
بعضهم ما زال عازباً، وبعضهم الآخر يأتون بأطفالهم وهم في شكل النقانق.
إجازات مرضية. عدوى الرشح والأنفلونزا من المصافحات، أو لمس مفاتيح الحاسوب. أو إجازات خطبة وزواج.. فإجازات وضع وأمومة، أو سفر، أو إجازة من العمل.
عش مع الشباب، واعمل معهم، حتى لا يتخثّر الدم في عروقك، أو تصاب حديدة روحك بصدأ الزمان.
إن كنت نشيطاً كانت المسافة من رأس الشارع إلى أول ذيله 940 خطوة، وخطوة الإنسان البالغ في منتصف العمر 70سم، فإذا ركضت لن تجاري في السرعة انفجار سائل «القثة» البرية حاملة بذورها سعياً إلى معادلة انتشار/ تكاثر.
***
نجمة «الأيام» مُثمّنة الرؤوس، وُلدت مع «إعلان الاستقلال»، كمشروع شعار لدولة فلسطين العتيدة، ثم استبدلناها بـ «صقر صلاح الدين».
نجمة كهذه تستقر على قلبي (في الصورة)، والصورة والنجمة تستقران في حقيبة «السامسونايت» التاريخية، حيث أودعت خمسة جوازات سفر مختلفة، و»هوية دولة فلسطين» التي لم أبرزها إلى أي جهة رسمية.
شيء كطابع تذكاري، كما الطوابع التذكارية لدول الاستقلال الإفريقية، مطلع الستينيات. كنت أهوى جمع الطوابع. بقيت الطوابع، وبدّلت الدول أسماءها. من يدري أي دولة، الآن، كانت تسمى «داهومي»؟ ومن يحزر أن «روديسيا الشمالية»، و»روديسيا الجنوبية» و«نياسالاند» صارت : زيمبابوي، زامبيا.. وما لست أدري؟
***
بين «أطراف النهار» و«الأيام» علاقة كونفدرالية نموذجية، ليتها تسود العلاقة بين دول الأمة العربية.
علاقة رتيبة - متبدّلة في آن، تخلو من مطبّات، ومناورات، كالتي كانت بين (م.ت.ف) وصحيفتها المركزية (مجلة وجريدة) هاكم واحدة:
لا أحد يوبّخ بالون «القثّة» إذا انفجر بسرعة 40 كم أو بسرعة 60 كم. ولا أحد يقول لـ«القثّة» شكراً إذا انفجرت بذورها بسرعة 55 كم.
و«أطراف النهار» مثل «القثّة».
.. و«الأيام» مثل حلقات شجرة السنديان .. إنها تدبك في الحلقة الخامسة.
حسن البطل
25-12-1999