نابلس - توفيق أبو شومر - النجاح الإخباري - عاتبني أحدهم قائلاً: «لقد أبَّنْتَ في صفحة الفيس بوك رجلاً أسميتَه (مناضلاً) لم أسمع باسمه أبداً، فماذا قدم للوطن؟ هل سُجن في سجون الاحتلال؟ وكم سنةً سُجن؟!
صاحب السؤال سياسي فلسطيني سُجن سنواتٍ عديدة في سجون الاحتلال، يعتقد بأن النضال الوطني الفلسطيني هو فقط نضالٌ عسكري وسياسي!
رددتُ عليه: «المؤبَّن مناضلٌ أيضا، ولكنه مناضلٌ بنكهةٍ أخرى، مناضلٌ عزَّز صمودَ أهالي المناضلين والأسرى، دعمهم بالمال، لم يُطلق الرصاص ولم يدخل السجن الإسرائيلي!
اعتاد فلسطينيون كثيرون اختصار النضال في النضال العسكري فقط، وغضوا الطرف عن أقسام النضال الأخرى المتعددة، ومن الأمثلة على هذا النضال، نضال المغتربين الفلسطينيين؛ المهندسين الفلسطينيين، والأطباء، والممرضين، والإعلاميين، والعمال الفنيين، والمدربين.
من أبرز رموز النضال الفلسطيني غير العسكري المدرسون الفلسطينيون المغتربون، ممن أنعشوا التربية والتعليم في معظم دول العرب، هؤلاء المناضلون كانوا يوفرون شطرا من مرتباتهم الشهرية القليلة، «ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة» يرسلون ما يدخرونه بصعوبة لدعم صمود أسرهم في مواجهة الاحتلال، وكانوا ينفقون على تعليم إخوتهم وأقاربهم في جامعات العالم، هؤلاء المناضلون لم ينسَوا واجبهم الوطني، فقد كانوا يدفعون نسبة مئوية من مرتباتهم الشهرية الضئيلة بمحض إرادتهم واختيارهم لمنظمة التحرير الفلسطينية، تبلغ هذه النسبة المقتطعة ما بين خمسة في المئة أو سبعة في المئة، للأسف، فإن  هؤلاء المناضلين قوبلوا في وطنهم بالتجاهل بعد الاستغناء عن خدماتهم، وطردهم من كثير من الدول، جرى تجاهلهم أيضا في وطنهم حينما حضروا إليه، لم يلاقوا ترحيبا بهم، التحقوا بوظائف صغيرة في الوطن وكانوا سعداء بعودتهم، قنعوا بالدرجات الوظيفية الصغرى، على الرغم مِن أن مدرسي مدارس منظمة التحرير الفلسطينية مُنحوا رُتبا عسكرية رفيعة ودرجاتٍ وظيفيةً عالية، غير أن نظراءهم المغتربين فوجئوا بأنَّ سنوات نضالهم في الغربة لم تُحسب لهم بعد تقاعدهم في وطنهم، ولم يُساوَوا –حتى- بنظرائهم مدرسي المدارس التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، اعتُبرتْ خدمتُهم الوطنية في الغربة خارج التغطية النضالية الفلسطينية!
هناك قسمٌ آخر من المناضلين الفلسطينيين ممن لم يُعترف بنضالهم الوطني أيضا من التجار وأصحاب رؤوس الأموال ممن سخروا مالهم وجهدهم لدعم صمود الأهل، منهم رجال الأعمال، وأصحاب المصانع والمشاغل، ممن كانوا يؤدون أروع الأدوار في خدمة اقتصاد بلدهم، كانوا يعززون الصمود، بتشغيل العاطلين عن العمل والممنوعين من دخول إسرائيل في مشاغلهم.
هناك فئة أخرى أسهمت في تعزيز الصمود الوطني الثقافي، بما ينشرونه من ثقافة، وبما يقومون به من نضال بخاصة في مجال الإعلام والتربية والتعليم.
هناك أيضا شخصيات بارزة أدت أروع الأدوار في الحفاظ على السلم الاجتماعي، في زمن غابت فيه القيادة والسلطة عندما كان الاحتلال موجودا، أصلحوا بين الأسر والقبائل، ووظفوا خبراتهم في حل النزاعات بين المتخاصمين، وأشرفوا على تحقيق السلم الاجتماعي، هؤلاء أيضا لم يُسجنوا كذلك في سجون الاحتلال!
أخيرا، إن تأبيني لهذا الشخص الذي لم يكن قائدا حزبيا مرموقا، أو سياسيا في حزب من الأحزاب لأنه لم يُسجن في سجون الاحتلال، هذا التأبين يقع في إطار إيماني بمفهوم النضال الفلسطيني الشامل، وهو عقيدة نضالية فلسطينية حين كان الفلسطينيون جميعُهم مناضلين!