بلال النتشة - النجاح الإخباري - سئل حكيم : كيف تعرف من يحبك فأجاب: من يحمل همي ويسأل عني ولا يمل مني ويغفر زلتي ويذكرني بربي، هذا هو من يحبني . فيما قال جبران خليل جبران في شأن ذي صلة: الالم يغير الناس فيجعلهم يثقون أقل ويفكرون أكثر وينعزلون أطول .
سقت ذلك ،كتقديم لما سأتحدث عنه في هذا المقال حول حركة “فتح” التي يحبها الناس واحبتهم واستحوذت على تأييد الغالبية العظمى منهم والذين جسدوا ذلك في انتخابها لقيادتهم ومازالوا يعلقون الامال عليها لايصالهم الى مرحلة التحرر والانعتاق من الاحتلال واقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس .
ان الجماهير الفلسطينية العريضة في الوطن والشتات التفت حول حركة “فتح” وبرنامجها النضالي لانها رفعت شعارات واقعية استطاعت ان تحقق جزءا منها في سياق مسيرة كفاحها المستمرة منذ العام 65 والى اليوم وان تخلل ذلك مد وجزر او اخطاء مشروعة في مسيرة ثورة معاصرة تخلى عنها البعض والتف حولها البعض الاخر وقدم لها الدعم المادي والعسكري وخاصة في المرحلة الذهبية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. غير ان المشهد تغير الان بشكل جذري وخاصة بعد عودة منظمة التحرير الى ارض الوطن وتشكيل اول سلطة فلسطينية على جزء من ارض فلسطين المحتلة توطئة للوصول الى حالة الاستقلال الناجز والتي حتما ستأخذ المزيد من الوقت في ظل الانقلاب الخطير في الشارع الاسرائيلي وتحوله الى اقصى اليمين مع تنامي ثقافة العنصرية والتطرف لدى دولة الاحتلال من جانب،وتشظي الحالة العربية من جانب آخر والتي كانت تعتبر صمام الامان للقضية الفلسطينية ، فبعد عمليات التطبيع سيئة السيط والسمعة باتت اسرائيل اكثر غطرسة ودموية تجاه الحقوق الفلسطينية .
في خضم ذلك تخرج في هذه الايام، اصوات كثيرة تطالب حركة “فتح” بترتيب اوضاعها الداخلية واعادة لملمة صفوف ابنائها خاصة بعد ان تماهى التنظيم في السلطة والتي هي بالضرورة نتاج كفاح ونضال ابنائها “صفوة الصفوة” في هذه الحركة ومعهم الاخوة والرفاق في فصائل منظمة التحرير الفلسطينية. وهنا لا بد من التأكيد على مشروعية هذا المطلب والذي ينبع من حب الناس بمختلف مشاربهم السياسية ومنابتهم الاجتماعية، لهذه الحركة العظيمية التي تمكنت عبر مسيرة نضالية معمدة بدماء الشهداء والجرحى وعذابات الاسرى، ان تجعل القضية الفلسطينية الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه وتحت اي ظرف من الظروف من قبل القوى المتنفذة والمتحكمة في صناعة القرار العالمي ووضعتها على رأس سلم المجتمع الدولي الذي اراد لنا ان نكون مجرد رقم بشري هزيل يتلقى معونات انسانية ليبقى على قيد الحياة المذلة . لكن الحركة شقت عصى الطاعة وامتشقت البندقية وقالت “لا للخنوع ولا للركوع ونعم للجوع مقابل الحرية والكرامة الوطنية ” وهاهي قد بنت مؤسسات دولة ناشئة استوعبت معظم أبناء شعبنا في اطارها ومازالت تناضل وستبقى حتى تحقيق الاهداف المشروعة في الحرية والعودة والاستقلال.
ان المطالبة باعادة تنظيم صفوف حركة “فتح” يدل على ان الشعب الفلسطيني حريص على قوة ومتانة وصلابة هذه الحركة القادرة على تحقيق المستحيل، في زمن يصعب فيه الوصول حتى الى المتاح، فهي التي تستطيع ان تقرر متى تحمل البندقية ومتى ترفع غصن الزيتون وهي تسير على خطى الراحل”ابو عمار” ورفاق دربه المؤسسين ” ابو اياد وابو جهاد وابو الهول وابو اللطف وابو يوسف النجار والكمالين وسعد صايل .. الخ” والقائمة تطول كثيرا ومن الفصائل الاخرى جورج حبش ونايف حواتمة واحمد جبريل وابو العباس وسمير غوشة وغيرهم . وهنا تستوقفني مقولة لحكيم الثورة والتي اتفق فيها مع الاخ “ابوعمار”ومفادها: ” ان الصراع مع العدو قد يستغرق مئة عام او اكثر فعلى قصيري النفس ان يتنحو جانبا “. وهاهي تثبت صدقية النبوءة، فيما الاجيال التي رفعت الراية مازالت تتمتع بنفس عميق وطويل يعانق نسيم بحر يافا وشواطئ عكا وحيفا.
على ذلك فانني ارى ان القضية الفلسطينية تمر في مرحلة تاريخية مفصلية فنحن نواجه المشروع والمخطط الصهيوني الذي اعاد الصراع الى مربعه الاول وهو صراع وجود لا صراع حدود .
هذا يقودنا الى التأكيد على اهمية صوغ استراتيجية فلسطينية تعزز الوحدة الداخلية اولا في حركة “فتح” لتمتد الى بقية الفصائل، بما يؤدي الى انهاء الانفصال بين جناحي الوطن “الضفة الغربية وقطاع غزة” فاستمرار “حماس” في ادارة القطاع وكأنها سلطة منفصلة يعطي الانقسام الشرعية ويحوله الى انفصال تام بما يؤدي الى الاستقلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي وبالتالي اعطاء ضوء اخضر لاسرائيل للاستمرار في التفاوض مع الكيان المستقل في غزة لاقامة دولة فلسطينية في القطاع تتوسع باتجاه سيناء وابقاء الوضع القائم في الضفة الغربية على ما هو عليه بما يشبه سلطة البلديات مع تقديم بعض التسهيلات التي هي بالاساس حق لنا وفق اتفاقات اوسلو .
ان حركة “فتح” التي حملت ومازالت لواء الحرية والاستقلال لهي قادرة على لملمة صفوف الشعب الفلسطيني من خلال الرؤية التالية :
اولا :إعادة الاعتبار ل”الحرس القديم” في الحركة والذي حمل على عاتقه شرف النضال والمقاومة في خضم الانتفاضتين الاولى والثانية وما قبلهما وكان رافعة للعمل الوطني المضمخ بدماء الشهدء .
ثانيا: البدء بالتحضير الجدي لعقد المؤتمر الثامن للحركة على ان يسبق ذلك اجراء “برايمرز” يفرز قيادات حقيقية تغلب العام على الخاص وتعيد الهيبة للتنظيم ولدوره الكفاحي على جميع الصعد “مقاومة شعبية ضد الاحتلال استنادا لقرار الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية بالتوازي مع عمل تعاوني اجتماعي يحيي الامل في نفوس الناس ويدب الحياة في صفوف الشباب المتكلس” .
ثالثا : اعطاء الشباب الدور الريادي والمكانة التي يتسحقونها سواء في اطار التنظيم او في اطار المؤسسة الرسمية الفلسطينية “اجهزة امنية وعسكرية ومدنية” فالشباب هم عماد الدولة واساسها المتين الذي تقام اللبنات الاولى عليه وتشيد بقية الصروح بهم ونحن نرى انهم لم يأخذوا حقهم الكافي سياسيا واكاديميا وفي فرص العمل وفي مجال صنع القرار.
رابعا: ضخ دماء جديدة في اطار الحركة النسوية وعدم اقتصارها على عناوين ومسميات قديمة فقد آن الاوان لتكون هناك دماء شابة في هذا الاطار الهام الذي يعتبر الحبل السري لمسيرة الكفاح الفلسطينية منذ الرصاصة الاولى والى اليوم .
خامسا: تشكيل لجان مقاومة شعبية واخرى للتكافل الاجتماعي في كافة المناطق الفلسطينية واعادة احياء دور الشبية والعمل التعاوني وتشكيل اللجان اللوائية لكل المحافظات، الامر الذي من شأنه اعادة ضخ الدماء في شرايين الحركة وتفعيل الاجسام الخاملة .
سادسا: يتوجب علينا الاستفادة من الكادرات المثقفة في الحركة والتي لا تقل قدرة وكفاءة علمية وفكرية ومهنية عن السابقين من قامات الحركة العالية ” ماجد ابو شرار نموذجا” ف”فتح” حركة ولادة وفيها من الكفاءات التي نعتز بها الكثير . وفي هذا السياق علينا الاستفادة مفوضية التعبئة الفكرية- الاخ المفكر الفلسطيني والعروبي بكر ابو بكر،” والتوجيه السياسي والوطني – الاخ المناضل اللواء طلال دويكات، لما لذلك من اهمية وضرورة في شحن وتعبئة الجيل الناشئ وطنيا وفكريا بما يعزز الانتماء للوطن والقضية وحركتنا الريادية .
سابعا: تغيير نمط الخطاب الاعلامي الرسمي والتنظيمي عبر اختيار كادرات متمكنة ومؤهلة ومقبولة جماهيريا تكون مهمتها مصارحة الجماهير كون الحركة خرجت من رحم هذه الجماهير وصلبها ولم تستورد فكرها او قيمها ومبادئها من الخارخ الامر الذي اكسبها حبا شعبيا جارفا تنافس فيه كبرى حركات التحرر العالمية. وعلى ذات الصعيد عليها مواجهة الرواية الاسرائيلية التضليلية للمجتمع الدولي برواية جادة وحقيقية ومقنعة للعالم، خاصة اذا علمنا بالمتغيرات والتحولات التي تشهدها اميركا على وجه الخصوص في شأن التعاطف مع دولة الاحتلال .
ثامنا: بالتوازي مع الاعلام ، يجب التركيز على دور واهمية الفن الملتزم في اطار المؤسسات الحركية ذات الصلة ، فاعادة الحياة للمؤسسات الفنية التراثية التابعة لحركة “فتح” لها أثر بالغ في الوجدان الفلسطيني من جانب وتوصل في المقابل رسالة شعب مظلوم ومضطهد وصاحب حق شرعي وله هوية تاريخة في هذه الارض قبل الاف السنين بما يدحض ويفند رواية الاحتلال المزيفة.
تاسعا: مطلوب العودة الى العمل النقابي الجدي والفاعل والذي يتسم بالانجازات لصالح الطبقة العاملة والدفاع عن حقوقها ومصالحها وعلى “فتح” ان لا تترك هذا الميدان فارغا وان تصوب اوضاعها وتستفيد من دروس الماضي القريب خاصة وان الساحة تستوعب الاصلح والاكفأ وصاحب الخبرة الاعرق .
اخيرا، ان خطوة عملية واحدة خير من الف خطاب ناري و”فتح” هي صاحبة القول والفعل وهو ما ينتظر منها الان قبل ضياع الفرصة .