أحمد رفيق عوض - النجاح الإخباري - انسحاب الولايات المتحدة الامريكية الذليل، وحساب النفس القاسي والعلني في وسائل الاعلام الأمريكي تأييداً أو معارضة، لا يخفي الحقيقة الأهم، وهو أن الولايات المتحدة الأمريكية، مثل كل امبراطورية توسعية، تخضع لاشتراطات الواقع وسنن التاريخ، حيث تأتي اللحظة الحاسمة التي تتبدل فيها الأهداف وتتغير فيها موازين الربح والخسارة، وحيث ينتصر على المشروع التحرري على المشروع الاستعماري. هكذا انتهى المشروع الصليبي الاستعماري والاستيطاني، وهكذا انتهت احتلالات العالم واحداً واحداً بلا استثناء.
هزيمة الولايات المتحدة في أفغانستان -نعم هي هزيمة رغم كل ما يقال عن الاتفاقيات المسبقة أو الأهداف المبيتة- هذه الهزيمة تدفعنا -نحن الفلسطينيين بالذات- إلى اثارة أسئلة كثيرة، من هذه الأسئلة مثلا: ما دام أن هناك كثيرين يعتقدون أن المغطى بالدثار الأمريكي عريان تماماً، فلماذا الإصرار الشديد على وضع كل البيض والقرار والمستقبل بيد أمريكا؟!
ولماذا نحارب حروب أمريكا دون أثمان؟! ولماذا لا نتعلم المقايضة بالمواقف أو نصّر على الدفع المسبق لكل خدمة نقدمها؟! ولماذا نصّر على البحث عن الحماية والتمويل والشرعية عن أمريكا؟! ولماذا نصمم مواقفنا وقراراتنا بعد الحوارات الأمريكية الإسرائيلية؟ وإذا كان هناك من ينافس إسرائيل في أدوارها الأمنية فلماذا لا يكون هناك مواقف بحجم هذه الأدوار؟!
هذه الأسئلة تقود إلى أن المسئول عن تفكيك الإقليم العربي وارجاعه الى العصور الوسطى ليس الاستعمار فقط، بل هي تلك النخب التي تصبح عائقاً أمام شعبها للتقدم والنصر. ان افشال الدولة الوطنية العربية او تفكيكها او اضعافها يصبح احدى وسائل الحروب الجديدة التي تتم فيها الهزيمة دون اسلحة، بمعنى ان الحرب الجديدة ليست في التهديد العسكري فقط، بل بتربية النخب على الخضوع والانبهار وعدم القدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.
هزيمة أمريكا في أفغانستان تطرح مسألة الاعتدال مرة أخرى على الطاولة. فالاعتدال يجب ان يبرر نفسه او يحقق انجازاً ملموساً يرضى عنه الجمهور، والواقعية ليست الوقوع في شرط المستعمر، بل قراءة الواقع بما يستوجب تجاوزه والانتصار عليه. الاعتدال والواقعية بديل عن الإرهاب المجنون ولكنه ليس تشريعاً او ترسيخاً للاحتلال وضياع الحقوق. والاعتدال لا يعني تنافساً مع إسرائيل على تقديم الخدمات المختلفة بل حماية للمصالح العليا للشعوب، والاعتدال أخيراً لا يعني تسهيل دخول إسرائيل الى الإقليم وتحوله الى كيان طبيعي بينما يقوم هذا الكيان باحتلال ارضٍ عربية واهانة أقدس مقدساتها.
هزيمة أمريكا في أفغانستان نموذج على انهيار الفكرة الأمريكية المسيطرة القائلة بأن الشعوب تطلب الديموقراطية والليبرالية قبل الحرية، وسقوط النموذج الأمريكي القائم على الهيمنة وهندسة الناس وتحديد المصائر. وإذا كانت المنطقة العربية تحاول أن تجد طريقاً لتحالفات جديدة تقلل فيها من الخلافات والمؤامرات الداخلية، فإن الطريق الأسلم لذلك هو في إعادة القراءة لطبيعة ونوع العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية. فما معنى أن تقوم هذه الإمبراطورية بدعم احتلال متغطرس واستعماري في فلسطين بينما تطلب من الأشقاء العرب الآخرين تنفيذ سياساتها في المنطقة بما يطيل من عمر الاحتلال من جهة وخدمة مصالح البيت الأبيض من جهة أخرى. معادلة لم تعد منطقية ولا مقبولة وتهدد بانفلات الأوضاع وانقلابها.