نابلس - هاني حبيب - النجاح الإخباري - «اليوم، تخلصنا من لواء فكري مسلّح، فغسان كان بقلمه أكثر خطرا على إسرائيل من ألف فدائي مسلّح»، كان ذلك تعقيب رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير على اغتيال «الموساد» للمفكّر القائد الشهيد غسان كنفاني، ويحمل هذا التعقيب الأسباب التي قضت بأن تقرر دولة الاحتلال القيام بعملية الاغتيال، ذلك أنّ الأمر تجاوز الأسباب المنظورة والظاهرة، إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، من الصحيح أن قلم غسان كنفاني وريشته وإبداعه الأدبي والفني والصحافي، شكّل في واقع الأمر برنامجا ثقافيا للثورة الفلسطينية من خلال 18 كتابا بين رواية وقصة وبحث إضافة إلى المقالات والملصقات والرسوم، أعماله تمت ترجمة معظمها إلى معظم لغات الأرض وتحوّل بعضها إلى أفلام سينمائية وعروض مسرحيّة، كل هذه الأعمال أسهمت في صياغة أوليّة للمشروع الثقافي الفلسطيني الذي حمل لواءه غسان كنفاني ولا يزال مشرعا لعقود إلى ما بعد اغتياله وفي المستقبل الوطني الفلسطيني.
هذا المشروع كان يتطلب برنامجا سياسيا موازيا للمشروع الثقافي الذي وضع أسسه غسان، وجاء ذلك عندما صاغ الاستراتيجيّة السياسيّة والبيان السياسي للجبهة الشعبيّة، مُؤكدا على أهمية الكفاح المسلح والعمل الفدائي، ويُلاحظ في صياغة الاستراتيجيّة السياسيّة للجبهة أنّها تأثرت بقناعاته حول سبب فشل ثورة 1936. ذلك أننا نلاحظ في الكتيّب الذي أصدره غسان عن هذه الثورة قبل أشهر قليلة من اغتياله أنّه أرجع فشلها إلى ما يُسمى «المثلث المُعادي» القيادات الرجعيّة المحليّة والأنظمة العربيّة والحلف الإمبريالي – الصهيوني وقد عكس هذه القناعات في سياق البرنامج السياسي للجبهة تحت فصل «من هم أعداؤنا؟».
هذا الدور الثقافي - السياسي لغسان، كان كافيا بالتأكيد لأن تتخذ غولدا مائير شخصيا قرار اغتياله وكلّفت «الموساد» بذلك، لكن في هذا السياق علينا أن نلحظ أنّ هناك مبررات إضافيّة ذات طبيعة أمنيّة بامتياز جعلت غسان هدفا لهذا الاغتيال، ذلك أنّ مجلة الهدف التي كان يترأس تحريرها، في مقر معلن وواضح وبيافطة مع رقم هاتف شكّلت في واقع الأمر مركزا وغرفة اتصالات علنيّة مع كل حركات التحرّر وثورات الشعوب على مستوى العالم، فهذه الحركات والثورات وجدت في مقر المجلة وهاتفها المعلن ورئيس تحريرها الناطق بعدّة لغات وسيلة اتصال بالثورة الفلسطينيّة والجبهة الشعبيّة تحديدا في فترة لم تكن الاتصالات سهلة نظرا للمقرات ذات الطبيعة السريّة للجبهة الشعبيّة وعموم فصائل الثورة، لذلك لعب غسان في تلك الفترة صلة الوصل وكان جسرا لابد منه للتواصل مع حركة الثورة العالميّة كالألوية الحمراء في إيطاليا والجيش الأحمر الياباني والمنظمات والحركات الثوريّة في أميركا اللاتينيّة، ولتأكيد أهمية هذا الدور في قرار اغتياله أنّ غسان كان ناطقا رسميا للجبهة من بيروت عندما أقدمت على إجبار ثلاث طائرات على الهبوط في صحراء الزرقاء في الأردن في أيلول 1970، تم من خلالها إطلاق سراح أربعة أسرى من سجون الاحتلال على رأسهم الفدائيّة المناضلة ليلى خالد، وقبل قرابة ثلاثة أشهر من اغتياله، قام الجيش الأحمر الياباني بعملية إطلاق نار في مطار اللد في تل أبيب.
وللتأكيد مجددا على الدور الأمني في أسباب الاغتيال أنّ خليفته في رئاسة التحرير بسام أبو شريف تعرّض أيضا لمُحاولة اغتيال من خلال ظرفٍ بريدي في مكتبه في مجلة الهدف بعد أشهر قليلة من اغتيال غسان.
تقول صافيناز كاظم الكاتبة والناقدة المصريّة، إنّها سمعت بمصطلح «شعراء الأرض المحتلة» للمرّة الأولى عندما التقت بغسان كنفاني في مؤتمر بالعاصمة اللبنانيّة مطلع العام 1967 واستمعت لحديثه عن محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وتبادله الرسائل مع البعض منهم.
كتاب غسان كنفاني المعنون «شعراء الأرض المحتلة» لم يتوقّف عند التعريف بهم على صفحات الجرائد والصحف الصادرة في لبنان وخاصة مجلة الهدف، ولكن أوجد صيغة لوحدة المشروع الثقافي الفلسطيني بين أرض 1948 وعموم الشتات الفلسطيني، غسان كنفاني هو الذي قام بتغيير المصطلح الذي كان شائعا آنذاك «أدب النكبة» إلى «أدب المقاومة».
هذا الدور الشامل السياسي والأمني والثقافي كان باعتقادنا وراء قرار اغتيال الشهيد القائد غسان كنفاني.