نابلس - صادق الشافعي - النجاح الإخباري - شكّل وصول الرئيس التركي وحزبه الى السلطة في العام 2014 عبر انتخابات شعبية مظهراً وإنجازاً إيجابيين لتركيا:
عاشت البلاد في ظلهما تكريساً للحكم المدني وتراجعاً لدور وسيطرة العسكر الذين ظلوا القوة المسيطرة على الحكم لعشرات السنين.                                   
وشهدت البلاد تقدماً في جميع المجالات، وانعكس ذلك بشكل ملموس على حياة المواطن التركي ورفاهية حياته اليومية. وحصل كل ذلك مع سيادة ملحوظة للأجواء الديموقراطية بشكل عام.
ورغم ان حزب اردوغان (الحزب الحاكم) حزب ديني وامتدادٌ لحركة الاخوان المسلمين، الا انه نجح في عدم اقحام الدين في سياسات الدولة بشكل عام، بالذات تلك المتعلقة بالمجتمع وتفاصيل حياة المواطن اليومية، كما نجح في عدم الإضاءة على انتمائه لحركة الاخوان.
وحصل ذلك أيضا، بالتوازي مع سياسة انتهجتها تركيا حققت نجاحاً كبيراً عنوانها الأساسي «صفر مشاكل» مع دول المنطقة. وهو ما أنتج علاقات جيدة مع تلك الدول وبالذات على المستوى التجاري. وما أنتج أيضا، درجة عالية من القبول والإعجاب وصلت حد التمثل بتركيا وبأردوغان لدى أهل المنطقة.
«الاستدارة الأولى» لنظام اردوغان حصلت حين وصلت حركة الاخوان المسلمين الى الحكم في مصر. ويبدو حينها أن أردوغان، وحزبه الحاكم، قرآ ذلك «الحدث» بأن سيطرة حركة الاخوان على حكم أكبر وأقوى بلدين في المنطقة (تركيا ومصر) يفتح الباب امام حركة الاخوان المسلمين للسيطرة على المنطقة كلها وادارتها على هدى برنامج الحركة وتوجهاتها.
أكد هذه القراءة، نجاح فروع أخرى لحركة الاخوان في فرض حضور قوي لها في دول اخرى بالمنطقة، لكن دون الوصول الى الحكم في أي منها.
لم يعد ممكناً توقف «الاستدارة التركية» بسقوط حكم الاخوان المسلمين السريع في مصر، بل استمر نهج الاستدارة على حاله وهجومه منفرداً، وأصبحت تركيا تشكل واقعياً القيادة لحركة الاخوان المسلمين العالمية، والملجأ لفلولها الهاربين من أوطانهم وبالذات من مصر.
في (الداخل التركي) تمثلت الاستدارة التركية في مظهرين أساسيين:
-  المظهر الأول، تعزز النزعة السلطوية لدى اردوغان وحزبه على حساب الديمقراطية ومصالح وهموم الناس. وطالت هذه النزعة الأقليات في تركيا، والمعارضين بشكل عام، وعلى نطاق واسع وصل درجة الغاء شرعية بعض الأحزاب وحملات اعتقال واسعة طالت شريحة واسعة من الشعب وأعضاء في المجالس التشريعية وأكاديميين وقيادات عسكرية.
 -  المظهر الثاني، تمثل في إجراءات تشريعية تم فرضها (منها تعديل الدستور) تضمن استمرار أردوغان وحزبه في سدة الحكم والرئاسة وتزيد من قبضته على مركز القرار. وما تزال هذه الاجراءات مستمرة ومتصاعدة.
وهذه الاستدارة في الداخل التركي لم تمنع او توقف بروز معارضة لأردوغان من داخل حزبه وصلت حد انشقاق قيادات تاريخية وبارزة فيه واتجاهها لتشكيل أحزاب موازية ومعارضة.
أما خارج تركيا فقد تمثلت الاستدارة في تدخلات تركية عدوانية في أكثر من بلد وأكثر من مجال.
امام هذا الواقع يجد اردوغان نفسه مضطراً للذهاب الى «استدارة ثانية»، تخرجه من الوضع الذي قادته اليه الاستدارة الأولى بشقيها الداخلي والخارجي.
وكما كانت مصر بداية ومدخل استدارته الأولى، فانه يسعى الآن عبر اكثر من مبادرة لكي تكون هي بداية استدارته الثانية ومدخله الأساس الى التعامل مع دول وشعوب المنطقة.