باسم برهوم - النجاح الإخباري - الحركات الإسلاموية، ومنها جماعة الاخوان لا يعترفون بالدولة الوطنية، ولا بهوية الشعوب الوطنية، هم يركزون على مفهوم الأمة، والدولة الإسلامية. والاخوان لا يفكرون ولا يكترثون إلا بمصلحة الجماعة وهي بالنسبة لهم الأولوية على ما عداها من أولويات. لذلك لم يكن مفاجئا ردة فعل حماس. على لسان موسى أبو مرزوق، على اتفاقية دولة فلسطين مع مصر لاستخراج الغاز من شواطىء غزة.

ما قاله أبو مرزوق، أن غزة يجب أن تكون حاضرة في هذه الاتفاقية، وبما معناه أن تحصل هي على هذه الثروة بالأساس. وبالطبع لم يكن أبو مرزوق يقصد غزة الشعب، وإنما غزة حماس، التي تتحكم فعليا بالقطاع، أن تكون حماس جزءا من الاتفاقية وأن تستفيد هي من الثروة. هذا جانب من الموضوع، أما الجانب الآخر فهو أن أبو مرزوق، ومعه حماس لا ترى أن غزة هي المحافظات الجنوبية لدولة فلسطين، وأن شواطىء غزة هي الساحل الجنوبي لفلسطين، وأن الثروة في أي بقعة هي ثروة لكل الشعب الفلسطيني، مع الأخذ بالاعتبار أن يستثمر جزء مهم من الثروة لإعادة بناء وتطوير البنى التحتية للمحافظات الجنوبية. ولكن ما هو هذا  الغاز، وما هي هذه الثروة التي نتحدث عنها والتي تريد حماس حصتها منها أو الاستخواذ بها؟.

بدأت قصة الغاز عام 1996، عندما تم الكشف عن وجود كميات تجارية من الغاز الطبيعي قبالة شواطىء قطاع غزة. في حينها اهتم الشهيد الخالد ياسر عرفات بالأمر، لأهميته للاقتصاد الفلسطيني الناشئ، المعتمد أساسا على الدعم الخارجي، ولم يكن قد مر على تأسيس السلطة  الوطنية سوى أقل من عامين. عرفات أعطى أوامره لصندوق الاستثمار الفلسطيني لعمل أي شيء، والإسراع في استخراج الغاز، وبالفعل تم عام 1999 إبرام اتفاقية مع شركة بريتش غاز البريطانية، وشركة اتحاد المقاولين "سي سي سي"، التي يملكها فلسطينيون، ولكن بسبب العراقيل الإسرائيلية، ولاحقا بسبب سيطرة حماس على القطاع عام 2007، توقف العمل، إلى أن تم فسخ الاتفاق مع الشركة البريطانية.

حسب الخبراء فإن هناك حقلين للغاز، الأول مقابل مدينة غزة مباشرة، والثاني شمال  القطاع،  وبرأي الخبراء فإن الغاز يمكن أن يكفي الشعب الفلسطيني لمدة 15 عاما بدخل سنوي يقدر بـ 4 مليارات ونصف المليار دولار.

قبل أسبوع وقعت فلسطين عبر صندوق الاستثمار اتفاقية مع وزارة الطاقة المصرية بهدف الإسراع في استخراج الغاز ليكون حق من حقوق الشعب الفلسطيني، خصوصا أن هناك توترا ونزاعات إقليمية على غاز شرق البحر المتوسط عموما، وتوترا وصراعا بين إسرائيل من جهة وفلسطين ولبنان وسوريا من جهة أخرى على الغاز. التعاون مع مصر الشقيقة له أكثر من مغزى، الخبرة والقرب الجغرافي، بالإضافة إلى امتلاك القاهرة علاقات في حقل الغاز مع إسرائيل، وبالتالي إمكانية ضمان عدم التعطيل.

وفي مقالات سابقة أشرت إلى أن أحد أسباب إصرار حماس على  إبقاء سيطرتها المنفردة على غزة هو الغاز، فهي تعتقد أن بإمكانها إطالة عمر إمارتها بالحصول على عائدات الغاز لها، وفي هذا السياق يمكننا فهم المقصود بتصريحات أبو مرزوق. لقد شعرت حماس أنها بهذه الاتفاقية إنما خسرت إحدى أهم الأوراق لإدامة الانقسام، وفي الوقت الذي يعاني فيه الشعب من الحصار وتداعياته المؤلمة، فإن القطاع كان بالنسبة لحماس البقرة الحلوب التي تجلب لها وللجماعة أموال الزكاة والتبرعات من اندونيسيا إلى المغرب، مرورا بالجاليات الإسلامية في أوروبا والولايات المتحدة، وكل بقاع العام، وهي أموال لم ير منها الغزيون شيئا.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الاتفاقية مع مصر لو حققت أهدافها، فإن الشعب الفلسطيني سيكون في غنى عن المساعدات الخارجية، ولأصبح لديه القدرة لتحسين بنيته التحتية، وخلق عجلة اقتصادية تجعله في المستقبل لا يحتاج الكثير من المساعدات. والسؤال هل حماس تفكر هكذا أم تفكر بمصلحة الجماعة، وما يمكن أن تجنيه هي من فوائد.

تصريحات أبو مرزوق لم تكشف النهج الانقسامي وحسب، وإنما أيضا نظرة حماس بخصوص الانتخابات،  فلو كانت حماس ترى في هذه الانتخابات  بأنها خطوة مهممة وفرصة لإنهاء الانقسام، لما كانت ردة فعل أبو مرزوق على الاتفاقية بهذا الشكل. فالانتخابات كما تم الاتفاق بشأنها هي طريق لبناء شراكة وطنية، تقود إلى توحيد جغرافيا وشعب الدولة الفلسطينية. والسؤال هل من الممكن ان تغير  حماس طبيعتها الاخوانية؟

 

عن الحياة الجديدة