عقل أبو قرع - النجاح الإخباري - حذّر مدير عام منظمة الصحة العالمية، قبل عدة أيام، من انهيار وإخفاق أخلاقي كارثي في العالم؛ بسبب عدم العدالة في توزيع لقاحات «كورونا» التي تم الترخيص باستعمالها حتى الآن، أي لقاحات الشركات العالمية الكبرى بالتحديد، حيث تستحوذ الدول الغنية على معظم اللقاحات المتوفرة، سواء لقاحات فايزر أو أسترازينكا أو من غيرهما، وفي نفس الوقت تعاني الدول الفقيرة أو ذات الإمكانيات المحدودة، ونحن في بلادنا من ضمنهم، من عدم توفر اللقاحات، وبالتالي عدم وجود تطعيم ضد فيروس كورونا، أو وجود أمل في التغلب على هذا الفيروس.
وحسب منظمة الصحة، فإن غالبية الجرعات من اللقاحات التي أنتجتها أو تنتجها شركات عالمية تم بيعها لدول غنية، حيث حصلت الولايات المتحدة حتى الآن على حوالى 36 مليون لقاح أو جرعة، وما تعهد الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن بتطعيم 100 مليون أميركي خلال 100 يوم، أي حوالى مليون شخص يومياً، إلا دليل على مواصلة هذا الاحتكار، وبالأخص في ظل القدرة المحدودة لهذه الشركات على إنتاج أو تصنيع اللقاحات.
ومن الأمثلة الأخرى إسرائيل، حيث تم تطعيم أكثر من مليوني شخص بالجرعة الأولى ومنهم جزء كبير بالجرعة الثانية، وحصولها على ملايين أخرى من الجرعات من شركات عالمية مختلفة، وإذا علمنا أن معدل ثمن الجرعة الواحدة من اللقاح يتراوح بين 10 إلى 15 دولاراً وربما يصل إلى 20 دولاراً، في ظل معادلة العرض والطلب والأسعار ومن يملك المال والتواصل مع مدراء هذه الشركات، فإننا نتأكد من أهمية رأس المال أو من يملك المال، وبالتالي يتم الحصول على اللقاح بعيداً عن الأخلاق وحقوق البشر والعدالة بأنواعها.
صحيح أن شركات الأدوية تقوم باستثمار جزء كبير من عائداتها في البحث وفي التطوير والاكتشاف، هذا رغم المخاطرة والمجهول خلال عملية تطوير واكتشاف الدواء أو اللقاح، ولكن هذه العملية تتم من خلال الأجهزة الرقابية، ولا يسمح بالانتقال من مرحلة إلى أخرى في عملية التطوير إلا بموافقة هذه الأجهزة الرقابية الصارمة، والتي قد تستهلك حوالى المليار دولار أميركي من ميزانيتها في فترة تصل إلى سنوات عديدة.
والمنافسة العلمية بين الشركات العالمية، سواء لاكتشاف وإنتاج الأدوية أو اللقاحات هي منافسة متأصلة، وهذا بالطبع يصب في مصلحة البحث العلمي والإبداع والابتكار. ولكن حين تتحول المنافسة لتأخذ منحنى له بعد سياسي أو إعلامي أو أخلاقي، فهذا أمر غير إيجابي وبالأخص في حال فيروس كورونا، وفي ظل جائحة تؤثر على الحياة في معظم دول العالم التي بدأت تتسابق في محاولة للحصول على لقاح، أو على عدد من الجرعات من اللقاح هذا أو ذاك، ومن خلال عرض أعلى الأسعار، التي لا تستطيع عرضها الدول ذات الإمكانيات المحدودة.
وصحيح كذلك أن شركات الأدوية العالمية الكبرى، وقد عملت ولسنوات عديدة في إحداها، هي شركات خاصة ربحية، أي يملكها - وبالتالي يتحكم في عملها وفي مسيرتها - حملة الأسهم أو المستثمرون، وصحيح أن هذه الشركات تسخّر أفضل الإمكانيات المادية والبشرية من أجل إيصال دواء جديد إلى الأسواق، وبالتالي البيع والربح، ولكن وفي ظل الأزمة الحالية، أي أزمة «كورونا» التي لا تفرق بين الغني والفقير أو بين المتحضر والمتخلف، من المفترض أن يكون أو كان هناك نظام أو آلية تحت إشراف أجسام دولية وعلى رأسها الأمم المتحدة وذراعها منظمة الصحة العالمية، ومن خلال التواصل المباشر مع الشركات من أجل توفير نوع من التوازن بين الدول الغنية وتلك الفقيرة، فيما يختص بتوزيع واستخدام لقاحات «كورونا».
حيث أشارت نتائج دراسة حديثة، قبل أيام، أن النسخة المتحوّرة من الفيروس والتي مصدرها من دولة جنوب أفريقيا، ربما تكون قادرة على تحدي، أو لها القدرة على التأثير على عمل اللقاحات المتوفرة حالياً، وإذا تأكد ذلك، فإننا قد نصل إلى أوضاع تفقد اللقاحات الحالية - أي التي تمت الموافقة عليها، أو تلك التي في مراحلها النهائية من الاختبارات - القدرة على إنتاج أجسام مضادة توائم نسخ الفيروس المتجددة أو المتحوّرة، وبالتالي نعود مرة أخرى إلى البداية، أي إلى صورة العدالة الاجتماعية الأولى أمام هذا الكائن الصغير «كورونا»، بعيداً عن القوة أو المال أو الأخلاق أو عن مدى ما نملك من قوة وإمكانيات.    
 

 

نقلا عن الحياة الجديدة