عبير البرغوثي - النجاح الإخباري - الأطفال الفلسطينيون رجال في نظر الاحتلال، يخشاهم منذ صغرهم  ويهابهم عند شبابهم، فيتعمد استهدافهم بمختلف أدواته منذ البدايات، فالاحتلال يعتقل داخل سجونه نحو 250 طفلاً من أصل نحو 6000 آلاف أسير أي أن ما نسبته 4% من المعتقلين الفلسطينيين هم من فئة الاطفال وفق بيانات الجهات المعنية بهذا المجال لعام 2018، والتي تشير أيضاً لوجود أكثر من 100 حالة من الحبس المنزلي الذي ابتدعته أجهزة الاحتلال ضد أطفال مقدسيين خلال العام 2018. انها سياسات تنتفي عنها الانسانية وتتنكر لكافة حقوق الطفل، لأن سياسات التعذيب والقمعواصدار الاحكام العالية والغرامات الباهظة والحرمان من التعليم وحرمان الاطفال من التواصل مع الأهل والاهمال الطبي وتعرضهم للخطر في حملالت المداهمة والتفتيش الى جانب محاكمتهم في محاكم البالغين ووضعهم في ظروف تتنافى وحقوق الأطفال التي تنص عليها المواثيق الدولية، كلها اجراءات تتسبب بآثار اجتماعيةونفسية وتربوية خطيرة للغاية على الأطفال أنفسهم وعلى عائلاتهم ومجتمعهم، وهذه آثار لا يمكن التغلب عليها ومعالجتها على المدى القريب أو العاجل، بل تستمر  لفترات  خاصة اذا ما استمر وجود الاحتلال.
فقط في أعراف وقوانين الاحتلال الأطول في عمر الانسانية والعصر الحديث يُهاجم الاطفال ويستدعون لمكاتب التحقيق والتهديد حتى ولو لم تتجاوز أعمارهم الخمس سنوات، فهل هي عقيدة الخوف الكامن في أعماق المغتصب؟أم هي استغلال القوة المتحررة من كل القوانين؟
مهما كانت الأسباب أو الدوافع فإن الحقيقة واحدة، الاستدعاء والتنكيل هو نتيجة لوجود الاحتلال، فالاحتلال هو المسؤول عن ثقافة الكراهية  بين الشعوب والأفراد، وهو المسؤول عن استهداف الاطفال والنساء وكبار وصغار السن في مختلف المناسبات، ولكن هذه الأيام وصلت سياساته واجراءاته لمستوى غير مسبوق، فاستدعاء اطفال لم يبلغوا الخامسة من عمرهم  يمثل انتهاكاً صارخاً لكل المواثيق، ليس فقط الاتفاقات الدولية التي تجرم استهداف الاطفال والمدنيين وانما تجاوز حتى للقوانين التي وضعها الاحتلال لنفسه على هذا الصعيد، وخاصة المتعلقة بعدم مسؤولية من هم دون سن الثانية عشرة عن أعمالهم باعتبارهم ضمن فئة عمرية لا يجرمون فيها على أفعالهم ولا يتم استدعاؤهم للاستجواب والتحقيق، إلا أن الاجراءات الأخيرة والتي تجسدت في استدعاء عدد من الاطفال لمكاتب التحقيق في مقرات الشرطة قد اسقطت آخر أوراق التوت التي كانت السياسات القمعية تتستر بها.
الاحتلال يرى في هكذا اجراءات خطوات من شأنها إسكات الأصوات الرافضة لوجوده في الأراضي الفلسطينية وفي القلب منها مدينة القدس وضواحيها، ويهدف من ورائها على المدى البعيد ومن خلال كسر شوكة الأطفال والشباب الفلسطيني الى خلق جيل مكسور الهيبة وتقبل التعايش مع الاحتلال ويصمت على ممارساته، وبالتالي تحقيق أهداف تأبيد الاحتلال والإجهاز على أية مشاريع للتسوية والسلام والأمن والاستقرار في المنطقةوالقائمة على إنهاء الاحتلال ومبدأ حل الدولتين.
يتفق الكتاب والمحللون سياسيين كانواأم مدافعين عن حقوق الانسان ومنها حقوق الأطفال، بأن الهجمة على الشباب واستهداف الاطفال والمدنيين يتعارض مع كافة المواثيق الدولية والإنسانية، ولكنها ليست هي الخطر الوحيد الذي يتطلب الانتباه له، خاصة اذا ما تم ربط ذلك بما يحدث في مدينة القدس وضواحيها من استهداف للوجود الفلسطيني، واتخاذ المزيد والمزيد من الإجراءات التي تثقل كاهل من يتمسكون بالصمود على أرضهم في تلك المناطق، وما يواجهونه كل يوم لدفعهم للتخلي طوعاً أو كرهاً عن ممتلكاتهم وحقوقهم، فاتهام الأطفال برمي الحجارة ومقاومة جنود الاحتلال خلال مداهماتهم  يشكل طرف الخيط لطلب الأطفال للاستجواب، ومن ثم استدعاء الأهالي لتهديدهم وتحميلهم مسؤولية أفعال أطفالهم، ولاحقاً تدفيعهم الثمن الذي يضعه الاحتلال لعدم قيامهم بمنع أطفالهم من مقاومة مداهمات جنود الاحتلال واعتداءاتهم، إنها سياسة ممنهجة تهدف الى تهويد الأرض واخلائها من مواطنيها تمهيداً للسيطرة الكاملة عليها.
هذا هو جوهر تلك الخطوات وهذه هي نتائجها، لان سلطات الاحتلال تدرك أكثر من غيرها، بأن سياسات القبضة الحديدية، والتنكيل والاعتقالات للاطفال وغير الأطفال والتي جربها مراراً وتكراراً، لم تحقق أي نجاح ولم تكسر يوما ارادة الحرية لدى الشعب الفلسطيني، بل على العكس ساهمت تلك السياسات في تعزيز روح المقاومة ورفع عزيمة الصمود والايمان لدى أجيال تتابعت على غاية واحدة وهي إنهاء الاحتلال وتحقيق السلام العادل والشامل الذي تنعم فيه الأجيال القادمة بالأمن والاستقرار دون خوف أو تنكيل أو اعتقال.
ومع خطورة هذه الهجمة على الإنسان والطفل والأرض والبيت، فإن ما يثير  التساؤل  هو ذلك الصمت المريب وغير المفهوم من قبل المؤسسات الانسانية والدولية التي وضعت اتفاقات الطفل وترفع شعارات حمايتها، وصدعت رؤوسنا بالورش والمؤتمرات عن حقوق الطفل وحريته وغيرها من قضايا الطفولة، أين هي اليوم مما يحدث للطفل الفلسطيني؟ أين هي من الدفاع عن نفسها وعن أخلاقياتها ومبرر وجودها قبل أن تدافع عن أطفالنا؟ لماذا لم تخرج عن مستوى الاحتجاج بصمت خجولوبيان صحفي مقتضب؟ لماذا تسكت أو تختفي في الوقت الذي يجبأن يعلو فيه صوتها فوق اجراءات التنكيل بالأطفال ومصادرة حقهم في العيش الآمن والحياة الكريمة دون احتلال؟ كما يجب أن نشير إلى  خطوة عدم  إدراج الأمم المتحدة إسرائيل ضمن "قائمة العار" بشأن الأطفال والصراعات المسلحة حول العالم, والتي شكلت تشجيعا للاحتلال الاسرائيلي وتسترا على انتهاكاته تجاه الطفل الفلسطيني .
لا شك أن ما يحدث في القدس وضواحيها من الاراضي الفلسطينية المحتلة يشكل درساً واختباراً لمصداقية الجميع، اختبارا لمصداقية الجهات المعنية بمواجهة سياسات الاحتلال بشكل عام، وخاصة سياساته التي تشردالأسر والاطفال بعد اقتلاع وهدم البيت الذي كان يؤويهم حتى الامس القريب، السياسات التي تعرض حياة الاطفال للخطر الشديد من خلال الاستهداف والتعنيف والترهيب والتهديد، السياسات التي تمتهن انسانية الطفل قبل ان يبلغ الخامسة من عمره من خلال استدعائه لمراكز التحقيق وتعريضه لمواقف تتنافي وكل القوانين!
انها تحدٍّ حقيقي لإعادة المطالبة بالإفراج عن كافة المعتقلين الأطفال والذين مضى على وجودهم أعوام وسنين، فقد دخلوا المعتقلات أطفالا صغارا وباتو شباباً بالغين، سنوات العمر تفنى خلف القضبان، وجبال من الكراهية والحقد تخلقها سياسات الاحتلال واجراءاته.
أخيراً، قد لا يكون محمد ربيع عليان ابن الثلاثة أعوام آخر الاطفال الذين يستدعيهم الاحتلال وأسرهم للتحقيق والتهديد، وقد لا يكون ذلك المنزل آخر المنازل التي تمت تسويتها بالأرض من قبل جرافات الهدم والتدمير، ولكن هذه الإجراءات هي من آخر فصول الاستهداف ومحاولات كسر شوكة مستقبل الأجيال الفلسطينية، فالطفل الفلسطيني عصي على الكسر، وارادته تعانق عنان السماء، لانه يمتلك عنصراً مهماً "قوة الحق" والايمان العميق بأن من يملك الحق سينتصرلأن الحق فوق الاحتلال، وأطفال فلسطين هم أصحاب حق بغد مشرق ومستقبل آمن في دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية واسمها فلسطين.

الحياة الجديدة