غزة - اسلام الخالدي - النجاح الإخباري - على متن مراكب الموت يهاجر عشرات الشباب الغزيين الذين يعرضون أرواحهم وأنفسهم لخطر الغرق في أيَّة لحظة، إلى دول أوروبا كاليونان وغيرها، يدفعهم عدم الاستقرار وانعدام الحياة الاقتصادية  التي تجعل شبابًا بمقتبل العمر يفكرون بهجرة قد تنهي حياتهم وتدرج أسماءهم في لوائح المفقودين أوالموتى.
هذا ما حدث مع الشاب حسام أبو سيدو، الذي وافته المنية قبل أيام جراء غرقه من على متن قارب مطاطي كان يقّله هو وعشرات المهاجرين إلى سواحل الجزر اليونانية، في الوقت الذي يزداد فيه عدد اللاجئين الفلسطينيين الواصلين إلى هذه الدول؛ رغم المخاطرة بأنفسهم.


حكاية مهاجر
المحامي علي جبريل صديق حسام المقرّب وأحد الناجين من قارب الموت والذي يعيش في جزيرة ليروس اليونانية المطلة على بحر إيجة، قال في حديث لـ"النجلح الإخباري": "النجاة من خطر الغرق كانت قليلة لدى البعض، كون الحادث باغت جميع ركاب المركبة، فأنا وحسام انطلقنا سويًّا على متن القارب وعلى مسافة بضعة أميال تفصلنا عن شواطئ الجزيرة، كان الموت ينتظرنا، فاصطدمت المركبة بإحدى الصخور؛ مما أدى لغرق جميع ركابها، وراح ضحيتها العشرات، منهم حسام".

ويضيف: "موت حسام كان فاجعة بما تحمل الكلمة من معنى، فالدافع من وراء هذه الهجرة هو تحسين حياتنا وأوضاعنا المعيشية التي باتت شبه معدومة في قطاع تحكمه ظروف وسياسات صارمة، لم يعد لدينا الرغبة بالعيش في بقعة تحكم عليك بالموت البطيء والسجن الجماعي، فما كان أمامنا إلا خيار الهجرة والانتقال لمكان ينعش اقتصادنا المنهك، رغم معرفة حجم المخاطرة التي سنخاطر بها على أنفسنا جميعاً".

كما ويشير، إلى سوء الأوضاع التي يعيشونها داخل مخيمات اللجوء التي ذهبوا إليها، كون قانون اللجوء يفرض على اللاجئين المكوث داخل كرفانات المخيمات وعدم الانتقال لأيّ بقعة أخرى، قبل الحصول على جنسية يونانية، منوّهًا إلى أنَّ الحكومة تعمل على توفير ثلاث وجبات يومية لكلِّ شخص مع مرتب شهري قيمته (90) يورو.

جزيرة ليروس اليونانية، هي واحدة من (150) جزيرة يقبل عليها السياح من مختلف العالم، كما تضم مخيمات لجوء للشباب الهاربين من جحيم الفقر والأوضاع السياسية والاقتصادية في بلدانهم.

وفي السنوات الأخيرة، لوحظ ازدياد هجرة الشباب من قطاع غزة إلى الدول الأوربية بحثاً عن فرص عمل، الأمر الذي جعلهم في مرمى شباك النصب من قبل المهربين الأتراك أو غفر السواحل المصريين الذين يشرفون على عمليات التهريب بقوارب غير صالحة للإبحار، كما حدث مع ركاب سفينة أكتوبر (2014م) التي راح ضحيتها عشرات الفلسطينيين ومنهم من بات مصيره مجهولًا.


مجهول قيد الانتظار
تامر الجيباوي ابن (25) ربيعاً، فقدت آثاره منذ العام (2014م)، أثناء رحيله عن وطنه؛ بسبب الظروف المعيشية القاهرة والتي بات من الصعب عليه احتمالها، مما جعلته يلوذ بالفرار هو وجموع كبير من الشبان الذين خاطروا بأرواحهم؛ لنيل حياة كريمة.
فأم تامر والدة المفقود، تقول لـ "النجاح الإخباري" عن واقع الغزيين: "واقع غزَّة الأليم، وظروف الحصار الاقتصادي وسياسة التضييق التي يعيشها القطاع خاصة بعد حرب العام (2014م)، وما واجهته البلد من انهيار في مناحي الحياة كافة، جعلت تامر وغيره من الشبان يبحثون عن حياة تنعم بالكرامة والرفاهية، فكان الرحيل قرارهم والموت حتفهم".

الوداع الأخير

وتردف قائلة: "في تاريخ (6-9-2014م)، بتمام الساعة العاشرة والنصف كان الوداع الأخير بيني وبين تامر باتصال هاتفي، ليخبرني عن بدء رحلته البحرية والرحيل نحو مخيمات اللجوء اليونانية، وقد أشار لي بإغلاق هاتفه انصياعاً لأوامر القبطان المصري، وبعد عدَّة أيَّام علمنا بغرق المركبة بمن عليها، وهنا كانت الفاجعة التي صدمتنا جميعاً، ومنذ حينها لم يصلنا أي خبر".
وتؤكِّد، على أنَّ هناك تلاعب بصحة المعلومات حول طبيعة السفر عبر البحر، من قبل القائمين على هذه الرحلات، مشيرة إلى أنَّهم تفاجأوا بأنَّ السفر كان على متن قارب مطاطي، مع أنَّ المعلومات التي بني على أساسها السفر هي الإبحار على مراكب وسفن قادرة على حمل الأثقال وأعداد كبيرة من البشر على سطحها، لكن الواقع عكس ذلك مما عرضَّهم للغرق.
وتشير أم تامر، إلى أنَّهم سعوا مرارًا بالتواصل مع منظمات حقوق الإنسان والصليب الأحمر، وتوصيل رسائلهم عبر مناشدات، كانوا يوجهونها من خلال الاعتصامات، على أمل التوصل إلى معلومات قد تفيد بأماكن تواجدهم إن كانوا على قيد الحياة بعد.


دوافع وأسباب

وفي الحديث مع صلاح عبد العاطي رئيس مجلس إدارة الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، يقول لـ "النجاح الإخباري" : "الهجرة باتت ظاهرة منتشرة في دول العالم، أما في غزة فهنالك عدة دوافع، منها الأسباب الاقتصادية كغياب فرص العمل، وانتشار الفقر بين أوساط الشباب، إلى جانب استمرار الحصار، كما حالة الانقسام التي تركت تداعيات تاريخية على حالة حقوق الانسان، سواء بالاعتداء على حريات وحقوق بعض المواطنين بعدم ضمان وجود أفق وامل للمستقبل، في ظلِّ حالة انتشار حالة الإحباط؛ بسبب تراجع وجود حكومة تلبي احتياجات المواطنين، إضافة لعدم إيجاد فرص لتحقيق أحلامهم سواء بالعمل أو بالدراسة".
ويشير، إلى أنَّ الهجرة تحمل جانبين إيجابي وسلبي، فالسلبي أنَّها تفرِّغ المجتمع من الكفاءات والطاقات الشابة التي إذا أحسن استخدامها ستشكل ثروة داخل المجتمع، أما الإيجابي في أنَّها تتيح فرص عمل ودراسة وفرص مؤقتة وتطوير قدرات الشباب من أجل بناء وتعزيز حالتهم، من خلال توفير فرص سفر رسميَّة تضمن لهم الانتقال بطرق آمنة.
ويحذّر أ. عبد العاطي من دواعي الهجرة غير الشرعية، كون هنالك قراصنة وغفر سواحل يشرفون على السفر بطرق احتيالية، من بينها ترحيلهم عبر مراكب غير صالحة للإبحار، والاعتقال دون أن يحققوا أيًّا من أهدافهم، هذا ما يسبب اختفاء وفقدان بعض الأشخاص.
وتطرق لذكر سبب لجوء الأشخاص لهذه الطرق؛ منها عدم تمكُّن الشباب من إيجاد فرص سفر رسميَّة متوفرة، إضافة إلى أنَّ حياتهم داخل مجتمعاتهم يهدّدها الموت البطيء دون كرامة.

ويضيف: "على المجتمع الدولي أن يعيَ تمامًا بتوفير البيئة الآمنة، من خلال تعزيز صمود المواطنين ودعمهم، ارتباطاً بقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان". 
فيما دعا الجهات الرسميَّة الفلسطينية التي تولي أهمية خاصة منها السفارات في تشكيل متابعة لحماية حقوق المواطنين الذين فقدوا، حتى لو أخطأ بعضهم في طريقة السفر، مؤكِّداً على قصور المؤسسات الرسمية والدولية، منها منظمات الأمم المتحدة كالهيئة العليا لمتابعة اللاجئين التي عليها بذل الجهود بالبحث عن المفقودين وتقديم كافة المعلومات لذويهم، كحق بسيط من حقوقهم.