النجاح الإخباري - رغم صعوبة اكتشاف بعض الأمراض النفسية في البداية، فإن بعض علامات الاعتلال النفسي (سايكوباثي) قد تظهر مبكرا لدى الأطفال.

والسايكوباثية هي اضطراب في الشخصية يتميز صاحبه بالعديد من الصفات، أهمها سلوك ضد المجتمع (anti-social) والغطرسة والخيانة والتلاعب بالآخرين، مع افتقاد الشعور بالتعاطف مع ضحاياه وعدم الشعور بالذنب أو الندم على أفعاله الخاطئة، وهو أمر غالبا ما يقود إلى سلوك إجرامي.

ويعتقد بعض الأطباء النفسيين أن الشخصية السايكوباثية تمثل قمة التطرف في ارتكاب الجرائم والموبقات، مع الاعتداء على الآخرين والكذب والسرقة، وتدعم اعتقادهم حقيقة شيوع هذا الاضطراب لدى الأشخاص الموجودين في السجن، وذلك وفقا للمكتبة الوطنية للصحة في الولايات المتحدة الأميركية.

ويكمن أحد جوانب خطورة الشخصية السايكوباثية في أن صاحبها قادر على التعامل بوداعة ولطف مع الآخرين، كما أنه قادر على نيل مدح المحيطين به وثقتهم ثم استخدام ذلك في التلاعب بهم، وهو وإن كان في الظاهر يحب من يحيطون به إلا أن سلوكه الحقيقي هو أنه ضدهم.

تقدر نسبة من يتصفون بشخصية سايكوباثية في المجتمع بـ1%، أما بين المساجين فهي ترتفع لتبلغ من 15% إلى 25%.

يوصم الكثير من السفاحين والحكام المستبدين الذين قتلوا الآلاف بأنهم سايكوباثيون، ويستدل الباحثون على ذلك بارتكابهم هذه الجرائم مع عدم إبدائهم ذرة ندم، بل إنهم قد يشرعنون أفعالهم ويقولون إنهم حموا "الدين" أو "الأمة" أو "الوطن" أو أن "الله دعاهم لهذه المهمة العظيمة".

ويعتقد أن البالغين المصابين باضطراب الاعتلال النفسي يظهرون سمات مميزة خلال مرحلة الطفولة أو المراهقة، التي يمكن اكتشافها في سن مبكرة جدا.

لكن أين تتجلى هذه السمات؟ وكيف يمكن اكتشافها لدى الأطفال الصغار؟

قالت الكاتبة إستيفانيا غريخوتا، في تقرير نشرته صحيفة ألبايس الإسبانية، إن من الواضح أن التربية التي نتلقاها من الوالدين والبيئة والمستوى الاجتماعي والاقتصادي الذي نعيش فيه، هي عوامل مهمة جدا عند تشكّل شخصية الفرد.

في هذا السياق، جمعت باحثة علم النفس أبيغيل مارش في كتابها "لا ينفع لشيء: من محبي الخير إلى السايكوباثيين وما بينهما"، قصصا لعديد الآباء والأمهات الذين ظهرت لدى أطفالهم سمات العنف الشديد.

في الحقيقة، لم يتلق هؤلاء تنشئة أسرية سيئة أو عاشوا في أسرة متفككة، بل عادة ما كان أهلهم محبين جدا ويركزون بشكل كبير على تعليم وتربية أطفالهم.

وهناك العديد من النظريات حول هذا الاضطراب. وأظهرت الدراسات الأخيرة المتعلقة به، التي نشرها المركز الوطني للمعلومات التقنية الحيوية، أنه تم اكتشاف العلامات الأولى للاعتلال النفسي (سايكوباثي)  لدى الأطفال بدءاً من عمر السنتين. وتتجلى أبرز هذه العلامات في:

عدم التعاطف.

عدم الشعور بالذنب.

المشاعر السطحية أو الباردة.

في المقابل، يرى ثيلسو أرانجو نائب رئيس الجمعية الإسبانية للطب النفسي ورئيس قسم الطب النفسي في مستشفى غريغوريو مارانيون في مدريد، أن عوامل الخطر الرئيسية تكمن في الشخصية والمزاج. ويقول أرانجو "تتشكل الشخصية بمرور الوقت، ويأتي المزاج كنتاج للظروف الوراثية التي لا يمكن تعديلها".

من جهته، أكد الفيلسوف والأخصائي النفسي الشهير ويليام جيمس أن شخصيتنا لا تتشكل بشكل كامل إلى حين بلوغ سن الثلاثين. لكن مزاجنا سيظل على ما هو عليه، ولا يمكن تغييره. وهو ما تحدثت عنه أيضا أبيغيل مارش في كتابها، حيث فسرت أن الأطفال قادرون على ممارسة العنف الشديد لمدة طويلة من الزمن، على عكس البالغين، الذين لا يمارسون القسوة طويلا.

ويؤكد أرانجو أن هؤلاء الأطفال غير قادرين على الشعور بالألم والمعاناة. إنهم باردون جدا، ويتصرفون بطريقة مدروسة، أي بطريقة مخالفة للنرجسية، التي غالبا ما تظهر خلال مرحلة المراهقة. ولحسن الحظ أن هذا النوع من الاعتلال النفسي تعاني منه نسبة قليلة من الأطفال.

ما هي الميزات الرئيسية للأشخاص المضطربين نفسيا؟

السمات الأكثر شيوعا التي نجدها لدى الأطفال الذين يعانون من الاعتلال النفسي، والتي نشرها المركز الوطني للمعلومات التقنية الحيوية، تكمن أساسا في:

الكذب.

الأطفال لا يعترفون قط بذنوبهم إذا أساؤوا التصرف.

العقاب غير ناجع لتغيير سلوكهم.

كما يتميز هؤلاء الصغار بذكاء كبير ويتجنبون التعامل مع كبار السن.

هؤلاء الأطفال أنانيون جدا.

على ضوء ذلك، يوضح أرانجو أن هؤلاء الأطفال هم قبل كل شيء غير قادرين على التعاطف مع آلام الآخرين، وإنما يستمتعون بذلك، وهو ما يميز الطفل السايكوباثي عن الأطفال الآخرين. فهم يستمتعون فقط عند القيام بأشياء سيئة.

ويؤكد الخبير أنه على الرغم من إمكانية التحكم في بعض السلوكيات ووجود علاجات فعالة قادرة على علاج معظم حالات الاضطرابات العقلية الطفيفة، فإن ذلك قد يكون أمرا صعبا للغاية بالنسبة للحالات المعقدة. ويستوجب ذلك العمل على العلاقات والمهارات الاجتماعية.

لكن، إذا كان المزاج وبعض الجوانب من شخصية الفرد سيئة بطبيعتها، فسيكون من الصعب جدا تعديلها. وبالتالي، إذا كان الشخص البالغ قد تصرف بهذه الطريقة في مرحلة الطفولة، فمن المرجح أن ينتهي به المطاف بأن يتم تشخيص المرض النفسي لديه.