دلال عريقات - النجاح الإخباري - أكتب الْيَوْم بعد متابعتي للعديد من ردود الفعل التي تبعت الإفراج عن الطفلة عهد التميمي؛ نسبة لا بأس بها وجهت لها ولعائلتها الكثير من الرسائل السلبية التي تفتقر للعقلانية والروح الوطنية وقد آلمني جداً تمادي البعض لدرجة القول إن العائلة استغلت الطفلة للظهور الإعلامي والشهرة أو حديث آخرين عن شكلها وجرأتها حيث جعلوا من قوة الشخصية شُبهة!

عزيزتي عهد أنتِ طفلة بهيئة صبية جميلة، فشعرك الغاضب الثائر كان مُلفتاً لجماهير العالم التي تعاطفت معك كفتاة طفلة جميلة تستحق الحياة. الاهتمام والمتابعة الإقليمية والدولية اللذان حظيت بهما عهد هو محط فخر لنا جميعاً كفلسطينيين ويجب أن نبني على هذه التجربة، فلا ننسى أن عهد أخرجت للعالم صورة جديدة عن فلسطين أجمل بكثير من الصورة النمطية المرتبطة بمفهوم الضحية، أنا شخصياً والكثيرون أمثالي فخورون بهذه الهوية الثائرة الشقراء الجميلة صاحبة الكرامة المليئة بالتحدي وأجمل صور الصمود والثبات. عهد أطلقت حملة من قلب فلسطين إلى العالم بلا كلمات بلا تمويل وبلا مؤامرات، فصورة وجهها الغاضب البريء وشعرها المُتناثر غير المألوف أدخلت فلسطين لقلوب الملايين. لقد نجحت عهد بإرسال رسالة باسم ٣٥٠ طفلا فلسطينيا أسيرا، فضحت جرائم الاحتلال وأظهرت حقيقة "الدولة الديمقراطية" التي تروج لها إسرائيل، فحكاية عهد عكست مدى العنف واللاإنسانية والظلم والعنصرية الذي تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني أجمع، وعكست عهد صورة الأطفال والجيل الفلسطيني الشجاع والطموح فرسخت صورة الشباب والقوة والكرامة وحب الحرية في عيون العالم.

يبقى الْيَوْم ٦٥٠٠ أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، ٣٥٠ طفلاً، ٦٢ أسيرة (بينهن ٢١ أما، و ٨ قاصرات)، ٧ نواب، ٥٠٠ معتقل إداري، ١٨٠٠ مريض، ٤٨ أسيرًا مضى على اعتقالهم أكثر من ٢٠ عاما، ٢٥ أسيرًا مضى على اعتقالهم أكثر من ربع قرن، ١٢ أسيرًا مضى على اعتقالهم أكثر من ٣٠ عاماً وعشرات كان من المفترض إطلاق سراحهم إلا أن الحكومة الإسرائيلية تنصلت من تعهداتها. الأسرى يعانون شتى إجراءات القمع والقوانين التعسفية الإسرائيلية من الضرب والتعذيب والعزل الانفرادي إلى منع زيارة الأهالي والحرمان من العلاج والإهمال الطبي، ومنع إكمال التعليم. الآن يجب أن تكون أولويتنا هي الأسرى فهم الشهداء الأحياء، المطلب الرئيسي الْيَوْم هو حرية هؤلاء جميعاً وإطلاق سراحهم، علينا فضح جرائم الاحتلال وتفعيل أدوات المساءلة والمحاسبة تجاه إسرائيل على انتهاكاتها المتواصلة.

عمّ شعور لدى أهالي بعض الأسرى وخاصة الأطفال منهم بالإحباط والحزن على أبنائهم الذين لم يحظوا بالاهتمام الذي توفر لعهد، هنا لا ألوم أهالي الأسرى لمشاعرهم المنحازة لأبنائهم الأبطال، فمنهم من عانى أكثر بكثير من عهد سواء بالمحكومية او أشكال التعذيب أو ظروف الحياة والاعتقال ولكن هناك حقيقة علينا جميعاً إدراكها، إن التغطية الإعلامية والشهرة والحفاوة والاهتمام الذي تتمتع به عهد بعكس المئات من الأسرى هو ليس ذنبها، فالدنيا تضحك للبشر بطرق شتى وقد أنعم الله عليها بأن يسر وصول صورتها وقصتها للعالم بسلاسة وسرعة غير مسبوقة.

دعونا نبني على هذه الظاهرة، لننظر للأمر من منظور آخر مفاده أن عهد أيقونة الحرية الفلسطينية فهي لا تمثل عائلة التميمي فحسب، عهد معروفة في كل بقاع العالم على أنها الطفلة الفلسطينية الأسيرة مثال الصمود الفلسطيني. عهد، إن وصلتك بعض التعليقات المسيئة، فلا تحزني وتذكري عزيزتي أنك الْيَوْم تمثلين ٣٥٠ طفلا وأكثر من ٦٥٠٠ أسير فلسطيني وراء قضبان الاحتلال، تمثلين الشعب الفلسطيني الذي يحلم بالحرية، هذه مسؤولية كبيرة فكوني "قدها"، ولنركز جميعاً للبناء على هذه التجربة خدمة لعهد وللأسرى والحريّة.

عن القدس الفلسطينية