عيسى قراقع - النجاح الإخباري - ارتقى الشهيد المقعد ابراهيم ابو ثريا من مخيم الشاطىء في قطاع غزة شهيدا بعد ان تم اعدامه برصاصة قناص اسرائيلي على الشريط الحدودي خلال مشاركته في فعاليات الاحتجاج والرفض لقرار الرئيس الامريكي ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الاسرائيلي.

الشهيد أبو ثريا أعدموه مرتين، المرة الأولى في عام 2008 عندما بترت ساقاه خلال القصف الاسرائيلي على قطاع غزة وشن حرب دموية على سكانها في ذلك الوقت، المرة الثانية عندما اكتشفوا ان إعاقته لم تمنعه من استمرار مقاومة الاحتلال، فالقناص الاسرائيلي شاهده يرفع علم فلسطين عاليا على بعد قريب من السياج وأقرب الى القدس وهو يهتف باسمها وبعروبتها، فأرداه قتيلا قرب كرسيه المتحرك وبجريمة متعمدة وإعدام ميداني علني، وبلا اي نوازع انسانية وأخلاقية .

الشهيد ابو ثريا لم يكن يشكل خطرا على حياة الجنود الاسرائيليين، ولكنه كان يحتل الصورة الكبيرة في عدسة قناص اسرائيلي حاقد، يرى انسانا بلا قدمين يتربع على رمل غزة، يحمل غزة وجدارتها بالحياة، لم تغرق في البحر، ولم تجف في الحصار، بل تتقدم الى الامام، الى القدس عاصمة دولة فلسطين الابدية، ومن هنا يكره العدو الاسرائيلي غزة، يخاف منها حتى ارتكاب الجريمة بحق أبو ثريا.

الشهيد ابراهيم أبو ثريا أعطته الأرض اقدامها فوصل الى القدس، أقدام من تراب وصخر وماء، ينهض ويتقدم من نهايات الموت الى نهايات الجسد، ينصب جثته بين الرعد والكلمات على أسوار وأبواب القدس الثمانية وفي زنازين التعذيب بالمسكوبية، يتجاوز العدم والموت السياسي، هاتفا: لا بد ان نواصل المسير، وأن نواصل النزيف، نموت ان توقفت اقدامنا وإن توقف النزيف.

الشهيد ابراهيم ابو ثريا لا زال يمشي من غزة الى القدس ، وصل اخيرا.. لديه نار مدفأة في ضواحي المدينة ، ها هو في قرية العيسوية، يرى حملات الاعتقال الواسعة والمداهمات والبطش الاحتلالي ، ها هو في قرية عناتا يشارك في الاعتصامات والمظاهرات المندلعة، ويستقبل الشهيد باسل اسماعيل، هو يرى المئات من المواطنين يضربون ويهانون ، يتجرعون غاز الفلفل، يتعرضون للضرب بالهراوات وأعقاب البنادق ولنهش الكلاب البوليسية.

الشهيد ابو ثريا وصل الى القدس ، سار في كل حاراتها ، حارة النصارى وحارة المغاربة وحارة الشرف وحارة الارمن، وحمل المشاعل المضيئة في اعياد الميلاد المجيدة، وخرج في مسيرة حاشدة من المسجد الاقصى الى كنيسة القيامة، وهو يعرف انه في مرمى القناص الاسرائيلي، اذن صوبوا جيدا يقول ابراهيم، هنا آخر صيحاتي المقمرة، هنا في القدس سأظل أقاتل ، وسوف أقاتل ليولد حق ويزهق باطل.

الشهيد المقعد ابو ثريا أعطته الأرض اقدامها فوصل الى القدس، تجاوز كل الحواجز العسكرية ونقاط التفتيش والمراقبة التي تطوق القدس، حاجز قلنديا ، حاجز بيتونيا ، حاجز شعفاط، حاجز الزعيم، حاجز العيزرية، حاجز الكونتينر، حاجز ابو غنيم ، حاجز النفق، حاجز الولجة، حاجز حزما، حاجز ابو ديس، وظل يمشي بأقدامه الترابية، سأخرج من جسدي وأدرب خطواتي، ما من طريق الى القدس سواي وهذي خطاي ، قال ذلك وفي موته الخطوة المقبلة.

الشهيد ابراهيم ابو ثريا وصل الى القدس، شاهد اعتقال مئات القاصرين والاعتداء عليهم، اطفال بأعمار 12 عاما يدعسون على أجسادهم ، يعتدون عليهم في باب العمود بالضرب المبرح، وشاهد نساء رائعات يواصلن اعتصامهن يتحدين الجنود، مرابطات على بوابة القدس، قنابل صوتية ، رصاص، وها هو ابراهيم يسير في شارع صلاح الدين مع مسيرة مقدسية ترفض قرار ترامب، شوارع القدس وساحاتها تحولت الى ساحات مواجهة بين قوات الاحتلال و عشرات المقدسيين ، ولا زال ابراهيم يمشي على جمر روحه، جسده غزاوي ، ويده دولة، وفمه ثورة وعاصمة، واصابع كفه تقدح نارا، أوردته شوارع ، ساقيه المبتورتين تحولتا الى شجرتين وحقول ومزارع.

الشهيد المقعد ابراهيم ابو ثريا أعطته الأرض اقدامها فوصل الى القدس، التقى بمحمود بكر حجازي، أول اسير فلسطيني ينطلق من القدس يحمل فكرة وجمرة وثورة، والتقى بعائلات الأسرى المقدسيين المحكومين مدى الحياة ، سمير غيث ، ايمن سدر، علاء البازيان، عدنان مراغة، رجب الطحان ، سمير ابو نعمة، ابراهيم حلبية، جمال ابو صالح، اشرف الزغير، ناصر عبد ربه ، حسام شاهين، مجدي الزعتري، وسام عباسي والكثيرين، نقل اليهم سلام غزة وأهلها وشواطئها وزرقة بحرها، وقال لهم: لا تنتظر غزة ان يجيئها احد، غزة تأتي اليكم بكل ما فيها من احلام وبؤس وفقر وإرادة لتكسر الجدار، فاقبلوا جثتي فوق سماء حريتكم غيمة تومض ، واغسلوني مع الفجر في شمس الصلاة.

الشهيد المقعد ابو ثريا وصل الى القدس ، لم تمنعه المستوطنات الكثيرة من الوصول، لا مستوطنات راموت ولا جيلو ولا تلبيوت ولا النبي يعقوب، ولا معلوت ولا ريخس ولا رامات أشكول وبسجات زئيف، ولا عطروت ولا رحوماه، ولا معاليه ادوميم ولا التلة الفرنسية وغيرها، يقول لأهل القدس: اسلاكنا عروقنا ، ودماؤنا تصب في عروق القدس، انا برقية من غزة، من رجل معاق جئت لأفتح ابواب القدس معكم.

الشهيد المقعد ابراهيم ابو ثريا اعطته الارض اقدامها فوصل الى القدس ، شاهد الاعدامات الميدانية خارج نطاق القضاء بحق ابنائها: الطفل احمد مناصرة ينهالون عليه ضربا وبوحشية دموية، الطفلة هديل عواد يطلق على جسدها الصغير وابل من الرصاص بصورة انتقامية، الشهيد فادي علون يحتفلون بموته ويرقصون حول روحه هاتفين: الموت للعرب، في افواه الشهداء الآن البشارة، الشمس جثة صارت شجرة تضيء المغارة، صوت آذان وقرع اجراس وسماء تضيئها الحجارة.

الشهيد المقعد ابراهيم ابو ثريا اعطته الارض اقدامها فوصل الى القدس، شاهد كيف يحفر الاسرائيليون في ارضها، حفروا ثم حفروا ولم يجدوا غير اسمائنا محفورة على فسيفساء الماء، حفروا فنهضت جماجمنا وأرواحنا وأجسادنا وذكرياتنا ، لم يجدوا هيكلهم، وجدوا هياكلنا تتحرك في التراب، ومن تابوت يسير فوق رأسه، ومن موت بلا قناع، عشنا في القدس ومتنا في القدس ، ونحيا في القدس.

الشهيد المقعد ابراهيم ابو ثريا اعطته الارض اقدامها فوصل الى القدس، جلس على حجارتها وعتباتها وشارك كل المقدسيين في أغانيهم وأهازيجهم المقدسية:

في القدس..

ما بين موتي وطلع الشجر..

يسيل دمي..

يسيل دمي..

ويسيل القمر..

هناك تحت اسوار المدينة..

دونوا: قلبي قذيفة وكفي ملاك..

وروحي طليقة.